شكّل العنف المُفرط الذي تعامل به الجيش المصري مع المتظاهرين الأقباط أمام مبنى التلفزيون المصري منعطفاً خطيراً يمزق نسيج الوحدة الوطنية في مصر، ويشكل انتكاسة للربيع المصري. إذ لم يختلف المجلس العسكري عن النظام المصري السابق في تعامله مع هذه الأزمة المزمنة، بتوجيه الاتهام إلى أيدٍ خارجية في هذه الحادثة من باب السعي لإحداث فتنة طائفية في مصر. إن سياسة الهروب للأمام في التعامل مع هذه المشكلة هي كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال.
والسؤال الذي يثار هنا: هل أصبح التظاهر من أجل المطالبة بحقوق مشروعة مؤامرة من أجل إحداث فتنة، أم أن دهس المواطنين المتظاهرين سلمياً بآليات وعربات الجيش، ما أودى بحياة أكثر من 25 مواطنا وجرح أكثر من ثلاثمائة، هو ما يؤدي إلى إحداث فتنة؟
إن العنف المضاد غير المبرر الذي قام به المتظاهرون ليس سوى ردة فعل على العنف المفرط الذي استخدمه الجيش في محاولة تفريق المتظاهرين.
لقد جاءت هذه التظاهرة احتجاجاً على حرق الكنيسة في محافظة أسوان، والتي لم تكن سوى واحدة في سلسلة من الاعتداءات المتكررة على دور العبادة للأقباط التي فشل الجيش والأمن في توفير الحماية لها من السلفيين وغيرهم الذين يستهدفون بشكل منظم الأقباط وكنائسهم.
والمشهد نفسه تكرر في اليوم التالي للحادثة، عندما تعرض موكب تشييع ضحايا الأقباط من حادثة ماسبيرو لرشق بالحجارة والزجاجات الفارغة من دون أن يحرك رجال الأمن أي ساكن.
إن مشكلة الأقباط ليست مشكلة دينية وليست مشكلة بين المسيحيين والمسلمين، إنها ببساطة مشكلة حقوق لفئة مهمة من المواطنين المصريين الذين يتم التعدي على حقوقهم بشكل منتظم من جانب بعض فئات المجتمع والدولة على حد سواء.
بالطبع، فإن مشكلة الأقباط لم تبدأ مع المجلس العسكري، لا بل إن جذورها تمتد لعشرات السنين من إنكار لأبسط حقوق الأقباط المصريين الدينية والسياسية. وبالتالي، لا يمكن تحميل المجلس العسكري كامل المسؤولية لتجليات هذه المسألة، ولكنه الطرف المعني الآن بحماية الأرواح والممتلكات لفئة مهمة من أبناء مصر.
رب ضارة نافعة؛ فقد تشكل هذه الحادثة الأليمة نقطة البداية في محاولة معالجة الأسباب التي أدت للمشكلة الحالية. وإعلان الحكومة عن بدء النظر في إنجاز قانون دور العبادة المُوحد للمسلمين والأقباط خلال الأسبوعين المقبلين هو بداية الطريق.
لم تعد البيانات التي تصدر عن شيخ الأزهر وعن البابا شنودة، على أهميتها، ذات قيمة كبيرة في تهدئة الأجواء، لأن المشكلة ليست دينية بل سياسية حقوقية. وبالتالي، لا بد من معالجة هذه المسألة من خلال إطار الإصلاحات السياسية التي تشهدها مصر. ومدخل المواطنة لكل المصريين وليس للأقباط وحدهم هو المخرج الوحيد الذي يمكن أن يجنب مصر فتنة مدمرة.
مقالة د. موسى شتيوي