عيش حياتك اليوم وليس غدا
ملاحظة استدراكية هامة: يبدو المقال للوهلة الأولى لقارئه أنه مقالا أدبيا، ثم حين يقرأه سوف يكتشف أنه بالفعل مقالا أدبيا! (مزحة ثقيلة)!
ملاحظة استدراكية أشد أهمية من التي لن تليها: لمن يرغب في العيش في الحاضر وليس لديه وقت للقراءة، فليقرأ الجزء الثاني من المقال.
الجزء الأول
أتساءل: كم منا يعيش اللحظة؟
هذا السؤال دار بخلدي ذات يوم حينما رأيت صورة كاريكاتورية لحادث سيارة ورجل مضرج في دمائه القانية ملقً على الأرض، وحوله العشرات من جميع الفئات العمرية (الصغير والكبير والمقمّط في السرير) يلتقطون له صورة جوال كنوع من التذكار (الدموي). لم يتصل أحد بالإسعاف بعد، خشية أن يموت الرجل قبل أن يصورونه. طبعا الكاريكاتور لن يظهر صورة الإسعاف لأنه كاريكاتير وليس فيديو، وبالتالي لم أعرف ماذا حدث للرجل (كنوع من الاعتذار للقراء الفضوليين الذين ربما أرادوا معرفة ما حدث للرجل!).
المهم أنه بعيدا عن مقصد صاحب الكاريكتور في تصويره لتغيّر عادات الناس من فضيلة الإسراع إلى تقديم المساعدة إلى نقيصة التصوير السريع للأحداث المؤسفة، عملا بالقاعدة الفقهية لقناة (مَوْتانا سينما) والتي تقول..(مع موتانا سينما لن تتمكن من إقفال عينيك! على الإطلاق)
سألني قبل عدة أيام صديقي القادم من الفضاء، لماذا يقوم الناس بتصوير كل ما يرونه بدلا من مشاهدته والاستمتاع باللحظة؟ شخص بصري نحو اللا شيء فلم أجد إجابة فقررت الكتابة.
الناس أصبحت ما أن ترى ظاهرة جميلة حتى تجدهم يصورونها بالكاميرا بدون تفكير وفورا وحالا فاقدين بذلك متعة الاستمتاع باللحظة. والغالبية من المصورين يفعلون ذلك لا لشيء إلا رغبة في تقديم الأفضل لسكان قارتي الفيسبوك والتويتر إضافة إلى المنتديات فيقود بذلك عملية فرد عضلات من العيار الثقيل عارضا الفيديو أمام الجميع ولسان حاله يقول (لا أدري ماذا ستفعلون بدوني أيها الأوغاد!). إذن نحن مصرون على أن نرى الصورة ولا نرى الحقيقة. مصرون على أن نستمتع بالغد وليس الحاضر. والأدهى أن ثمة من لا يعيش ماضيا ولا حاضرا ولا غدا، بل كما أسلفت فقط يرغب في إظهار عضلاته الفوتوغرافية السريعة.
المشكلة الثانية، أن ذلك الغد المنشود لا يأتي في أغلب الأحيان. فالكثير من المصورين تجدهم يتذكرون الفيديو أو الصورة بعد أيام أو سنوات حتى! أقصد يتذكر أنه لم يشاهدها على جواله أو حاسوبه. فيفقد بذلك متعة المشاهدة الآنية ومتعة المشاهدة المستقبلية.
ليس المطلوب أن نتخلى عن التصوير، فهو من هواياتي الشخصية والحق يقال، لكن ينبغي أن نعيش اللحظة ونستمتع بها ثم نصورها.
الجزء الثاني
ثم انظروا إلى النقطة التالية، لماذا نحب سرد قصصنا القديمة وأحلامنا القادمة ولا نتحدث عن الحاضر؟ إذن ليس الأمر مقتصرا على التصوير. حسنا هذا هو بيت القصيد. أي أن المشكلة ليست مشكلة تصوير، بل مشكلة سلوك تتلخص في الهرب إلى المستقبل أو إلى الماضي.
فكثير من الناس تجدها دائما تتحدث عن إما عن الأحلام والأمنيات أو عن الماضي السحيق الجميل الصفيق. كأن لعنة ما أصابت هذا الحاضر، فلا أحد يذكره بخير! إن الأحلام جميلة وضرورية لجعل الحياة تطاق وبدونها لا يوجد واقع ولا مستقبل. لكن سياسة الإغراق هي المشكلة. كأن الناس أصبحت كالنعامة تدسّ رأسها في الغد وتهرب من الحاضر. لماذا يصر معظم الناس على العيش في عالم غير واقعي؟ عالم مليء بأفعال ماضية وأفعال مستقبلية ويفتقر إلى أفعال مضارعة؟ السبب أننا لا نعيش الحاضر. والحل؟
الحل
أولا دعوني أذكر بأن أحد أوجه الفرق بين الناجحين و الفشلة أن الناجحون يحلمون ثم يخططون ثم ينفذون، أما الفشلة فهم يحلمون ويحلمون ويحلمون. لذا إن أردت أن تعيش حياتك فلماذا لا تعشها بدلا من أن تتمناها؟ معظم الفشلة هم أناس كانوا يحلمون فقط ولم يفعلوا شيئا. وكلما سألتهم عن (متى) أجابوا (غدا) سوف أفعل ذلك وقطعا لن يأتي غدا بالنسبة لهم ولو ضربوا إلى ذلك الغد آباط الإبل.
الحل الأدبي لهذه المشكلة هو أن يبدأ الإنسان في التفكير في حياته بشكل أفضل وأن يتعود على العيش في الحاضر بدلا من التمني. وأسرد في هذا المجال قصة تلخص كل شيء وهي أن أحد الصالحين كان يمشي في جنازة رجل فسأل أحد المشيعين ماذا تتمنى لو كنت مكان الرجل؟، قال أتمنى أن أعود إلى الدنيا فأصلي ركعتين، فقال له الرجل الصالح: أنت ما زلت حيا إذن فافعل.
أما الحل العملي لهذه المشكلة هو أن يبدأ الإنسان بالتخطيط لحياته. أي أن يجعل لنفسه خطة شخصية لمدة عام أو أكثر يكتب فيها أحلامه وكيف يحققها. صدقوني، واسألوا مجرب وخبير. أكثر ما يؤلم هو أن تكون حياتك بلا خطة، ومعظم مشاكلنا النفسية هي أننا نعيش ولا نعرف لماذا نعيش. ولقد جربت ذلك الشعور شخصيا إلى أن عرفت التخطيط. فأن يكون لحياتك خطة يعني أنك تجعل لحياتك معنى. لهذا أتوجه بالنصيحة لكل من يعاني من أعراض الفشل (الفشل الحياتي وليس الكلوي)، أن يبدأ مرحلة جديدة بالتخطيط. إن الأمر ليس مستحيلا، وبالتخطيط ستتمكن من أن تعيش حياتك حاضرا ومستقبلا وماضيا. سوف تعيش الحاضر الجميل مع الماضي الحنون والمستقبل المشرق
تذكر يا صديقي...عش حياتك الآن وليس غدا
وحتى نلتقي