مَـن الجانـي ....؟!!
______
بـدأ مُقـدِّمُ البرنامج يعرِضُ تفاصيلَ الجريمة .. وعلى الشاشةِ تصويرٌ أو تمثيلٌ لِمَا حَدَثَ بالتفصيل .
قابلَ المُتَّهَـم _ القاتِلَ أو السَّارِقَ أو الزَّاني أو المُفسِد _ :
ما اسمُك ؟
ما تُهمتُك ؟
اذكر لنا تفاصيلَ الجريمةِ التي ارتكبتَها .
ما الأخطاء التي وقعتَ فيها وأدَّت إلى القبضِ عليك ؟
مَن شاركَكَ جريمتك ؟
وأخيـرًا : ما نصيحتُكَ للشَّبابِ أمثالِكَ ؟
وبعـد انتهاءِ البرنامج نسمعُ عن جريمـةِ قتلٍ أو سرقةٍ أو اغتصابٍ أو غير ذلك ، لا بل إنْ شِئتِ فقولي جـرائـِم .
أين الجاني ؟ ومَن هُـو ؟
لا أحــد يعـرف .
جاري البحث ..........
و أقــول : الجاني هـو "التلفاز" .. نعم ، "التلفاز" الذي يدعوا النَّاسَ إلى ارتكابِ الجرائِم ، ويُقدِّمُ لهم تفاصيلَ الجريمةِ كامِلَةً ، فيتعلَّمُ الشَّابُّ شيئًا مُحرَّمًا رُبَّما لم يُفكِّر به يومًا ، ويبـدأ الشيطانُ في الوَسْوَسَةِ له .. ولعلَّ ظروفَ حياتِهِ تُساعِده على ذلك ؛ كأنْ يُعاني مِن فقرٍ ولا يجِدُ مالاً أو عملاً ، فيسرق ، ورُبَّما صاحَبَ السَّرقَةَ اغتصابٌ أو حَرق .
هل انتبه للنصيحةِ التي قدَّمها مُرتكِبُ الجريمة ؟ بل هل سَمِعَها أصلاً ؟ وبماذا ستُفيده النَّصيحةُ والشيطانُ معه في كُلِّ لحظةٍ لا يُفارِقُه ، خاصةً وإنْ كان تارِكًا للصَّلاة ، وعنده ضَعفُ إيمان .
فـ "التلفاز" هو "الجاني الحقيقىّ" الذي يستحِقُّ العِقاب .. لكنْ : تُرَى هل سنُعاقِبُ جَمادًا لا رُوحَ فيه ..؟!!
لو نظرنا وتأمَّلنا قليلاً ، لوجدنا أنَّ كثيرين قد شاركوا في عـددٍ لا حَصرَ له مِن الجرائِم ، بِدايةً مِمَّن ارتكبَ الجريمةَ وعَمِلَ على نشر الفسادِ في الأرض ، وانتهاءً بمَن قدَّمَ البرنامج ، وبمَن صوَّرَه ، وأخرجه ، ونقلَه للنَّاس . كُلُّ هؤلاءِ وغيرُهم مِمَّن وراء الكواليس مُشارِكون في أكثرِ الجرائِمِ التي تقعُ في مُجتمعنا المُسلِم .
ما العمـلُ إذًا ..؟
العملُ سهلٌ جـدًا ؛ وهـو : عـدمُ تقديم مِثل هذه البرامِج بالتلفاز ، لأنَّنا لو قُلنا للنَّاسِ لا تُشاهِدوها لادَّعَوا أنَّهم يستفيدونَ مِنها ، ويكتسبون خِبرةً تُعَرِّفُهُم بمَن يُريدونَ بِهم شَرَّاً ، وتُعَرِّفُهُم بطريقةِ اكتشافِ المُجرمين في المُجتمَع ، إلى غير ذلك مِن حُجَج . ولا يكفي هذا ، بل لا بُدَّ مِن توضيحِ حُرمَةِ ذلك في شريعتنا الإسلامية ، وتوضيح العِقابِ الذي رَتَّبَه الشَّرعُ الحنيفُ على مُرتكِبِ كُلِّ جريمة ؛ كـ قطعِ اليدِ للسَّارِق ، وجَلْدِ الزَّاني أو رَجْمِه ، إلى غير ذلك مِن وسائِلَ للعِقابِ والتعزير .
ومشايخُنا - وفَّقهُمُ الله - قد بيَّنُوا ذلك مِرارًا ، وما زالوا . لكنَّ وسائلَ الإعلامِ المُختلِفة تهدِمُ ما يبنيه مشايخُنا .
وعلى أصحابِ القنواتِ الفضائيةِ أنْ يتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ في أنفسِهِم وفي مَن يُشاهِدونَ قنواتِهم ، وأن يُقدِّمُوا لهم كُلَّ مُفيد ، فَهُم مُحاسَبُونَ يومَ القِيامةِ على ما تُقدِّمُه قنواتُهم ؛ إنْ خيرًا ففي مِيزانِ الحسنات ، وإنْ شَرَّاً ففي مِيزانِ السَّيئات . وما أحوجنا لحَسنةٍ واحدةٍ تنفعُنا يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون ، يومَ يقولُ كُلُّ إنسانٍ ‹‹ نفسي نفسي ›› ، ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ عبس/34-37 .
تُرَى لو جِئتَ _ يا صاحِبَ القناةِ التي تنشرُ الفسادَ _ يومَ القِيامةِ ، ورأيتَ سيئاتِكَ قد طغت على حسناتِكَ ، ماذا ستقولُ حينها ؟! ﴿ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ الفجر/24 .
تذكَّـر أيُّها المُسلِم _ يا صاحِبَ القناةِ التي تنشرُ الفساد _ تذكًَّـر حينَ موتِك ، هل سينفعُكَ شئٌ مِمَّا كُنتَ تحرِصُ عليه في الدُّنيا ..؟! هل سينفعُكَ ذلكَ الفساد الذي كُنتَ تنشرُه ..؟! لا واللهِ .. بل إنَّكَ ستخرجُ مِن الدُّنيا بكَفَنِكَ فقط .
وحين يأتيكَ مَلَكُ الموتِ ليقبضَ رُوحَك ، تتمنَّى شيئًا واحدًا ؛ وهو أن ترجِعَ للدُّنيا ، هل لتستمتِعَ بلَذَّاتِها ؟ لا ، بل لتعملَ ولو حسنةً واحدة ، ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾المؤمنون/99-100 ، لأُقيمَ الصَّلاة ، لأوُتِىَ الزكاة ، لأُغلِقَ تِلكَ القناةِ الفضائيةِ التي ما زادتني إلَّا سيئاتٍ وبُعـدًا عن رَبِّي .
وتذكَّـر حين تُوضَعُ في قبرِكَ ، حين يُفارِقُكَ الجميع ، فلا يبقى معكَ مالٌ ولا أهلٌ ولا ولَد .
أين مَن كانوا يُعاونوك على نشر الفساد في قناتِكَ الفضائية ؟!
أين مَن كانوا يخرجون على قناتِكَ الفضائية ليُعلِّمونَ النَّاسَ ارتكابَ الجرائِم ونشرَ الفواحِش في المُجتمع المُسلِم ؟!
لقد ذهبوا وتركوك ، بعد أن دفنوكَ في التُّراب ، لا يبقى معكَ سِوَى عملك .
فهل ستتوبُ إلى اللهِ تعالى مِمَّا عمِلتَ مِن ذنوبٍ ، وتبدأ صفحةً جديدةً تملؤها بالحسناتِ والأجور ..؟!
كيف ستقِفُ أمامَ رَبِّكَ سُبحانه يومَ القِيامةِ وأنتَ مُحَمَّلٌ بالأوزار ..؟!
ألَا تستحيي مِن رَبِّكَ الذي خلقكَ ورزقَكَ وفضَّلكَ على كثيرٍ مِن خلقه ..؟!
بماذا ستُجيبُ عندما يسألُكَ رَبُّكَ سُبحانه وتعالى عن تِلكَ القناةِ التي كُنتَ تُديرُها ..؟!
ما موقِفُكَ عندما تُمسِكُ بكِتابِكَ لترَى سيئاتِكَ قد ملأته ، ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ﴾ آل عمران/30 ، ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ﴾ آل عمران/30 .. آهٍ لو فكَّرتَ في هذه الكلمة ..! اللهُ تعالى يُحذِّرُنا نفسَه ، فإنَّه جَلَّ وعَلا شديدُ العِقاب ، لكنَّه سُبحانه أيضًا ﴿ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ آل عمران/30 ، وهو سُبحانه ﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ المائدة/98 .. يدعوكَ للتَّوبة ، ويعدُكَ بالمغفرة ، ويُبدِّلُ سيئاتِكَ حسناتٍ إنْ استقمتَ على دينه ، واتَّبعتَ شريعتَه .
فـ أنقِـذ نفسَكَ مِن نارٍ حَرُّها شديد ، وقعرُها بعيد ، ومقامِعُها حديد .
واعمل لدارٍ باقيةٍ هى خيرٌ مِن تِلكَ الدار الفانية ، اعمل لجنَّةٍ فيها ما لا عينٌ رأت ، ولا أُذُنٌ سَمِعَت ، ولا خَطَرَ على قلبِ بَشَر ، مَن يدخُلُها ينعم فيها ولا يبأس ، ويسعَد ولا يشقَى .
و اتَّقِ الله .
................................
................................