خضعت إسبانيا في القرن الأول الميلادي لحكم الإيبريين سكان البلاد القدماء، واكتسبوا حق المواطنيـة الرومانيـة، ولكنها ما لبثت أن خضعت في القرنين الخامس والسادس لحكم البرابرة الغزاة الذين شنوا عليها حرباً مدمرة .
في القرن العاشر، وبالتحـديد في سنة 711م . بدأ الفتح الإسلامي لإسبـانيا بقيادة طارق بن زياد الذي هزم ملك القوط في معركة ” وادي بكة ” ، وشتت شمل رجاله ، وفي السنة التالية جنّد موسى بن نصير بما جرى حتى جنّد جيشاً ، والتحق بطارق في سنة 93هـ ، وأكملا فتح إسبانيا التي أسمـاها المسلمون ” الأندلس ” ، ولكن المسلمين تعرضـوا لنكسة في 115هـ ، 732م حيث انهزموا في معركة ” بواتيه “على يد ملك الفرنج شارل مارتل ، وبذلك أوقف الزحف الإسلامي داخل القارة الأوروبية .
ظلت هذه البلاد خاضعة للخلافة الأموية 39 سنة ، وبلغت ذروة مجدها في أيام عبد الرحمن المعروف بـ” الداخل ” ، ولكن عصر الأمجاد هذا تراجع حيث سادت صفوفهم الفرقة والانقسام ، وأنهكتهم الصراعات ، ما سهّل على جيوش قشتالة استعادة إسبانيا ، وإخضاع غرناطة آخر معاقل المسلمين فيها في سنة 1492م . وهي السنة التي قـام كولومبوس فيها برحلته الاستكشافية إلى أميركا ، ليرحل المسلمون عن” الأندلس ” نهائياً، بعد أن أخضعوها لسلطانهم ثمانية قرون .
ترك المسلمون في الأندلس بصمات واضحة في مختلف الميادين ، ما جعل منها حاضرة متألقة ، وحلقة وصل حضاري بين الإسلام والغرب ، وركيزة من الركائز الأساسية للنهضة الحديثة في أوروبا والعالم ، ويشهد على ذلك ما خلّفوه من آثار، بلغت غاية في الدقة ، والإتقان ، والروعة ، والجمالية .
ومن الجدير ذكره أن المسلمين في الأندلس لم يعيشوا نمطاً واحداً ، بل طرأت على أحوالهم بعض التغيرات ، حيث كان للظروف والعوامل التي أحاطت بهم دورها في إبراز سماتهم الحضارية ، وإنتاج مفاهيمهم السياسية والفكرية ـ وبتعبير آخر ـ منظومتهم الحياتية ، سواء كانوا من الذين فتحوها ، أو الذين عاشوا فيها ، أو الذين اعتنقوا الإسلام من الأسبان ، أو الذين تبنوا بعض العادات والتقاليد الإسلامية .