اجماع أهل العلم على عدم الخروج على الحكام
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
لا يحل لمسلم كائنا من كان أن يخالف الإجماع
هذا نقل علمي شرعي
أجمع السلف على عدم الخروج على الأئمة الظلمة ، وولاة الجور .
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( أن الأمر قد استقر بعد ذلك على المنع من الخروج ) .
منهاج السنة (4/529) .
ولذلك نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع عليه منهم :
1- البخاري رحمه الله ، فقد ذكر هذه العقيدة ، أي : ترك الخروج على الولاة ، وقال : ( لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم – أهل الحجاز ، ومكة ، والمدينة ، والكوفة ، والبصرة ، وواسط ، وبغداد ، والشام ، ومصر - لقيتهم كرات ، قرنا بعد قرن ، ثم قرنا بعد قرن ، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة ، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين ، والبصرة أربع مرات في سنين ذوي عدد ، بالحجاز ستة أعوام ، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي أهل خراسان منهم … واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصرا ، ولا يطول ذلك ، فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأشياء ) شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/321 – 323 .
2- وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان رحمهما الله ، فقد قررا هذه العقيدة ، وقالا : ( أدركنا العلماء في جميع الأمصار : حجازا ، وعراقا ، وشاما ، ويمنا …) المصدر السابق /1321 -322 .
3- ابن بطة العكبري رحمه الله قال : ( ثم من بعد ذلك الكف ، والقعود في الفتنة ، ولا تخرج بالسيف على الأئمة وإن ظلموا ) الشرح والإبانة / (276- 277) .
قال بعد قوله : ( ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووضعها ، وما هي في نفسها ، وما الذي إذا تسمك به العبد ، ودان الله به ؛ سمِيَ بها ، واستحق الدخول في جملة أهلها ، وما إن خالفه أو شيئا منه ؛ دخل في جملة ما عبناه وذكرناه ، وحذر من أهل البدع والزيغ ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة ، مذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا ) [المصدر السابق (ص175)] .
4ـ والمزني صاحب الشافعي ؛ قال رحمه الله : ( ترك الخروج عند تعديهم وجورهم ، والتوبة إلى الله عز وجل ؛ كي ما يعطف بهم على رعيتهم ) .
ثم ذكر إجماع الأئمة على هذا ؛ فقال : ( هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى ، وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوة ورضا ، وجانبوا التكلف فيما كفوا ، فسُددوا بعون الله ووفقوا ، ولم يرغبوا عن الاتباع فيقصروا ، ولم يتجاوزوه تزيدا فيعتدوا ، فنحن بالله واثقون ، وعليه متوكلون ، وإليه في اتباع آثارهم راغبون ) المصدر السابق/ ص77 .
5- النووي رحمه الله : ( وأما الخروج عليهم وقتالهم : فحرام بإجماع المسلمينن وإن كانوا فسقة ظالمين ؛ وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته ، وأجمع أهل السنة على أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ) [شرح صحيح مسلم (12/229) .
6- الطيبي : ( وأما الخروج عليهم ، وتنازعهم ؛ فمحرم بإجماع المسلمين ، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ؛ لتهيّج الفتن في عزله ، وإراقة الدماء ، وتفرق ذات البين ، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه ) الكاشف عن حقائق السنن (7/181- 182) .
7- ومحمد بن أحمد بن مجاهد البصري الطائي . [مراتب الإجماع] لابن حزم (ص178) .
8- وابن المنذر : ( كل من يحفظ عنه من علماء الحديث ، كالمجمعين على استثناء السلطان ؛ للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره ، وترك القيام عليه ) سبل السلام 3/262 .
وذلك ؛ أن الخروج على الأئمة يفضي إلى إراقة دماء المسلمين ، ومن ثم ضعفهم ، وشماتة أعدائهم فيهم .
قال هشام بن حسان : ( أحصوا ما قتل الحجاج ؛ فبلغ مائة وعشرين ألف قتيل ) أخرجه الترمذي (2220) وصححه شيخنا الألباني رحمه الله .
وأما فتنة الجزائر فقد حصدت أكثر من مائة وخمسين ألف قتيل ! ولذلك نهى العلماء الأفاضل عن الخروج ، ولكن المستعجلين لا يرون رأيهم ، ولا يقفون عند فقههم ، جريا على عادة أسلافهم الخوارج الأولين .
عن سليمان بن علي الربعي ؛ قال : ( لما كانت الفتنة فتنة ابن الأشعث ، إذ قاتل الحجاج بن يوسف ؛ انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الجوزاء وعبد الله بن غالب في نفر من نظرائهم ، فدخلوا على الحسن ، فقالوا : يا أبا سعيد ! ما تقول في قتال هذا الطاغية ؛ الذي سفك الدم الحرام ، وأخذ المال الحرام ، وترك الصلاة ، وفعل ، وفعل .. ؟! قال : وذكروا من فعل الحجاج
قال : فقال الحسن : أرى ألا تقاتلوه ؛ فإنها إن تكن عقوبة من الله ؛ فما أنتم برادّي عقوبة الله بأسيافكم ، وإن يكن بلاء ؛ فاصبروا حتى يحكم الله ، وهو خير الحاكمين .
قال : فخرجوا من عنده ، وهم يقولون : نطيع هذا العلج ؟! قال : وهم قوم عرب ! قال : وخرجوا مع ابن الأشعث ، قال : فقتلوا جميعا ) .
ولقد سأل أبو الحارث الصائغ الإمام أحمد بن حنبل عن أمر حدث في بغداد ، وهمّ قوم بالخروج ! فقال له : ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم ؟! فأنكر ذلك عليهم ، وجعل يقول : ( سبحان الله ! الدماء .. الدماء .. لا أرى ذلك ، ولا آمر به ، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة ، يسفك فيها الدماء ، ويستباح فيها الأموال ، وينتهك فيها المحارم ، أمَا علمت ما كان للناس فيه يعني : أيام الفتنة ؟!
قال الصائغ : والناس اليوم .. أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله ؟!
قال ابن حنبل : وإن كان ؛ فإنما هي فتنة خاصة ، فإذا وقع السيف عمّت الفتنة ، وانقطعت السبل ، الصبر على هذا ، ويسلم لك دينك خير لك ) .
منقول
والحمد لله رب العالمين