الأمس ........ قصيدة لجبران خليل جبران
كان لي بالأمـس قلـب فقضى .......... و أراح الناس منه و اسـتراحْ
ذاك عهد من حياتي قد مضى .......... بين تشبيب و شكوى و نواحْ
إنـّما الحـبّ كنجـم في الفضـا .......... نوره يمحـى بأنوار الصبـاحْ
و سرور الحبّ وهم لا يطول .......... و جمـال الحــبّ ظلّ لا يقيمْ
و عهود الحـبّ أحــلام تزول .......... عندما يسـتيقـظ العقـل السليمْ
كم سهرت الليل و الشوق معي .......... ســاهر أرقبــه كي لا أنامْ
و خيال الوجد يحمي مضجعي .......... قائلاً : "لا تدن ! فالنوم حرامْ"
و سقامي هامس في مسمعي : .......... "من يريد الوصل لا يشكو السقامْ"
تلك أيام تقضـّـت ، فابشري ، .......... يا عيوني ، بلقا طيف الكرى
و احذري ، يا نفس ، ألا تذكري .......... ذلك العهـد و ما فيـه جرى
كنت أن هبـّـت نسيمات السحرْ .......... أتلوّى راقصـاً من مرحــي
و إذا ما ســكب الغيــم المطــرْ .......... خلتــه الراح فأمــلا قدحــي
و إذا البدر على الأفق ظهــرْ .......... و هي قربي صحت :"هلاّ يستحي!"
كلّ هذا كان بالأمس ، و ما .......... كان بالأمس تولـّى كالضبابْ
و محا السلوان ماضيّ كما .......... تفرط الأنفاس عقداً من حبابْ
يا بني أمي إذا جاءت سعادْ .......... تسأل الفتيان عن صبّ كئيبْ
فاخبروها أنّ أيـّـام البعــادْ .......... أخمدت من مهجتي ذاك اللهيبْ
و مكان الجمر قد حلّ الرمادْ .......... و محا السلوان آثار النحيبْ
فإذا ما غضبتْ لا تغضبوا .......... و إذا ناحت فكونوا مشفقينْ
و إذا ما ضحكتْ لا تعجبوا .......... إن هذا شأن كل العاشقينْ
ليت شعري ! هل لما مرّ رجوعْ .......... أو معادٌ لحبيبٍ و أليفْ ؟
هل لنفسي يقظة بعد الهجوعْ .......... لتريني ماضيّ المخيفْ ؟
هل يعي أيلول أنغام الربيعْ .......... و على أذنيه أوراق الخريفْ
لا ، فلا بعث لقلبي أو نشور .......... لا ، ولا يخضرّ عود المحفل ِ
و يد الحصـّـاد لا تحيي الزهور .......... بعد أن تبرى بحدّ المنجل ِ
شاخت الروح بجسمي و غدتْ .......... لا ترى غير خيالات السنينْ
فإذا الأميال في صدري فـَـشـَـتْ .......... فبعكـّـاز اصطباري تستعينْ
و التوتْ مني الأماني و انحنتْ .......... قبل أن أبلغ حدّ الأربعينْ
تلك حالي فإذا قالتْ رحيلْ : .......... ما عسى حل به ؟ قولوا : الجنونْ
و إذا قالت : أيشفى و يزولْ .......... ما به ؟ قولوا : ســتـشـفيه المنونْ