لا أحد يعرفنا في هذه الصحراء
لا نخلة ... لا ناقة
لا وتد ... لا حجر
لا هند ... لا عفراء
أوراقنا مريبة
أفكارنا غريبة
فلا الذين يشربون النفط يعرفوننا
و لا الذين يشربون الدمع و الشقاء
معتقلون ...
داخل النص الذي يكتبه حكامنا
معتقلون
داخل الحزن ... و أحلى ما بنا أحزاننا
مراقبون نحن في المقهى .. و في البيت
و في أرحام أمهاتنا ..
حيث تلفتنا ، وجدنا المخبر السري في انتظارنا
يشرب من قهوتنا
ينام في فراشنا
يعبث في بريدنا
ينكش في أوراقنا
يدخل في أنوفنا
يخرج من سعالنا
لساننا مقطوع
و خبزنا مبلل بالخوف و الدموع
إذا تظلمنا إلى حامي الحمى
قيل لنا : ممنوع ...
و إن تضرعنا إلى رب السما
قيل لنا : ممنوع ...
و إن هتفنا :
يا رسول الله ، كن في عوننا
يعطوننا تاشيرة من غير ما رجوع
و إن طلبنا قلماً
لنكتب القصيدة الأخيرة
أو نكتب الوصية الأخيرة
قبيل أن نموت شنقاً
غيروا الموضوع ...
يا وطني المصلوب على فوق حائط الكراهية
يا كرة النار التي تسير نحو الهاوية
لا أحد من مضر .. أو ابن بني ثقيف
أعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيف
زجاجة من دمه ...
لا أحد ... على امتداد هذه العباءة المرقعة
أهداك يوماً معطفاً أو قبعة
يا وطني المكسور مثل عشب الخريف
متَلَعون نحن كالأشجار من مكاننا
مهجرون من أمانينا ، و ذكرياتنا
عيوننا تخاف من أهدابنا
شفاهنا تخاف من أصواتنا
حكامنا آلهة يجري الدم الأزرق في عروقهم
و نحن نسأل الجارية
لا سادة الحجاز يعرفوننا
و لا رعاع البادية
و لا أبو الطيب يستضيفنا
و لا أبو العتاهية
نزار قباني