ليت ما كان لم يكن
أيها الحنين المتأجج في صدري تشدني إلى عبق الماضي القريب البعيد تأخذني وأعيش فيك لحظات بل ساعات أتخيّل تلك الجلسات تصفّي النفس وتمسح البهرجات ... حيث ثلة من الرجال يلتمون حول ضوء خافت _ضوء البنورة_ وقلوبهم بالحب منيرة وعيونهم يملأها الفرح والطمأنينة تسكن قلوبهم راضون بما يجدون , وتبا للإضاءة المبهرة فقد صارت فيها القلوب مظلمة .
أيها الحنين المشتعل في صدري ترسم أمامي تلك البيوت المتناثرة بالحجر والطين بنيت بالمعاونة تدخلني إلى بيت يحوي الأب والأم والإخوة والأخوات هو لنومهم ومكان طعامهم واستقبال ضيوفهم سقفه بيت للعناكب وشقوق جدرانه بيت للعقارب وما أكثر العقارب في عصر البيوت الملونة والجدران الملساء .
ارفض العلم المزعوم والتقدم المهول واكره التكنولوجيا القذرة فرقت الأب عن الابن والخال والأعمام, أصبح الأب بالبيت كالطاولة والأم كالعاملة .
أرفض وحشية التلفاز ورنة النقال المحتال وزوبعة النت الفتان بهم صرنا كعربة تجرها فيلة مجنونة ليس لنا قرار بالسير أو الوقوف أو حتى الفرار .
أيها الحنين الجالس في صدري إلى أين تشدني إلى طعم اللبن ( الرايب ) من بقر الحي وليس من بودرة مستوردة, تشدني إلى طعم القثاء والبندورة والبامياء غير المهرمنة ... ويا للطرب حين تسمع نقنقة الدجاجة من أمام الخم تعلن عن وجود بيضة...
يا للرائحة الفائحة تملأ صباح الحارة من أفران الطابون المتناثرة. وأرغفة الخبز في المنسفة فوق رؤوس الحرّات للثوب الأسود لابسات (بالشمبر) مصفحات غير متبرجات لا يخترقه ما يدعى العابر للقارات ولا حتى النظرات.
أيها الحنين المقتول في صدري توقف ... فأنت لا تذهب بي أكثر من بابا غرفتي أو ساحة بيتي .......
توقف لأن حضارتهم أقوى مني ومنك ولا يمكن لنا أن ننتصر بنفس الحضارة على من صنعها
نحن بحاجة إلى حضارة خاصة بنا كي ننتصر.....