بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
بَيْنمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ
بَيْنمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
يعني النبي صلى الله عليه وسلم من تواضعه الجم أنه كان يدعو بعض أصحابه ليركب خلفه على الدابة ، هذا من تواضعه ، وهذا من تكريمه .
بَيْنمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا أَخِرَةُ الرَّحْلِ
الرحل الذي يوضع على الدابة ، آخرة الرحل طرف الرحل الآخر .
فَقَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ
الإنسان إذا نودي باسمه هذا من باب التحبب ، يا معاذ ،
مرةً قال عليه الصلاة السلام :
والله يا معاذ إني لأحبك
قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ
معنى لبيك : إجابة بعد إجابة ، وإسعاداً بعد إسعاد ، يعني أنا ألبيك ، وأسعى أن أسعدك يا رسول الله ، يعني أنا في خدمتك ، أنا مستجيب لندائك ،
ثُمَّ سَارَ سَاعَةً
ما تكلم النبي شيئاً ،معنى ساعة : أي مرحلة من الزمن .
ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ
أنا لا أعتقد على وجه الأرض أن أناسًا يحبون رجلاً على الإطلاق كما أحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم .
ثُمَّ سَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ
السؤال الآن : لماذا ناداه باسمه ، وسكت ؟ ناداه باسمه ، وسكت ، ناداه باسمه ، وسكت ، قال بعض علماء الحديث : هذا من قبيل التشويق ، يعني إذا أردت أن تلقي على إنسان أمراً خطيراً ، أمراً ذا بال ، تحب أن تلفت نظره ، تدعوه مرةً أولى ، وثانية ، وثالثة .
قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله على ْعِبَادِه
أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم معلماً ،
قال عليه الصلاة والسلام :
إنما بعثت معلماً ، إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق
من أساليبه التربوية أنه كان إذا أراد أن يلقي موعظةً أو حقيقة ساقها على شكل سؤال وجواب .
يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله على ْعِبَادِه
الذي خلقنا ، ولم نكن شيئًا يذكر ، الذي أمدنا بالوجود ، أمدنا بحاجاتنا ، أمدنا بالإرشاد ، أنعم علينا نعماً ظاهرة وباطنة ، خلقنا من عدم ، خلقنا ليسعدنا ، خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ، أليس له حق علينا ؟
قال سيدنا عمر :
عجبت لثلاث ؛ عجبت لمؤمل والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط عنه الله أم راض
قبل أن تضحك ، قبل أن تتمطى في البيت ، قبل أن تمزح ، قبل أن تسخر من بعض الناس ، قبل أن تعطي حظوظ نفسك ، قبل أن تستعلي على خلق الله ، هل أديت حق الله عليك ؟ هل عرفت الذي خلقك ؟ هل عرفت لماذا خلقك ؟ هل عرفت أين كنت ؟ هل عرفت أين المصير ؟
يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله على ْعِبَادِه
كان سيدنا معاذ في أعلى درجات الأدب .
قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ
من يتوقع كلمة واحدة ، حق الله على عباده أن يفعلوا كذا ، أن يعبدوه ،
لأن الله عز وجل يقول :
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
[سورة الذاريات : 56]
أنت خلقت لتعبد الله ، العبادة أن تخضع له ، أن تأتمر بأمره ، أن تنتهي عما عنه نهى ، أن تطبق شرعه ، أن تحبه ، أن تقدم بعض ما عندك ابتغاء مرضاته ، أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما ، أن تعبده ،
لذلك لما ربنا عز وجل قال :
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)
[سورة النور : 55]
وعد الله حق :
(وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً)
[سورة النساء : 87]
(وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ)
[سورة التوبة : 111]
هذا كلام خالق الكون .
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)
يعني أن يجعلهم خلفاء في الأرض ، هؤلاء قوم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا رعاة الغنم ، فلما عبدوا الله عز وجل صاروا سادة الأمم .
(لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)
هذا الذي عليه ، يا عبادي ، هذا وعد ، قطعي مني ، أما الذي عليكم :
تتمة الآية:
(يَعْبُدُونَنِي)
[سورة النور : 55]
هذا حق الله على عباده ، أن تعبده ، أن توقع حياتك وفق مراده ، أن توقع حركتك وسكونك عطاءك ومنعك غضبك ورضاك صلتك وقطيعتك ، أن توقع كل شؤون حياتك وفق مرضاته
… يَا مُعَاذُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله على ْعِبَادِه قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ …
لذلك إذا آمنت بالله إيماناً قطعياً يقينياً كاملاً ، إذا آمنت به خالقاً ، وآمنت به مربياً ، وآمنت به مسيراً ، إذا عرفت أسماءه الحسنى ، وصفاته الفضلى ، وأيقنت أن هذا القرآن كلامه ، وأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم رسوله ، فنشاطك كله ينحصر في شيء واحد ؛ أن تبحث عن أمره ونهيه ، وأن تعبده من خلال تطبيق أمره ونهيه ، فإذا طبقت أمره ونهيه تعبداً ألقى الله في قلبك النور لترى سر أمره ونهيه .
قال النبي عليه الصلاة والسلام :
من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعمل
يوجد علم كسبي ، وعلم إشراقي ، العلم الكسبي أن تبحث عن أمره ونهيه ، إن في معاملة الزوجة ، إن في تربية الأولاد ، أن تقع تجارتك وفق ما أراد الله في البيع والشراء ، في التعامل مع الناس ، أن تقع حالات مرحك فيما يرضي الله ، مهمتك الأولى أن تبحث عن أمر الله ، فإذا ثبت لك أن هذا حديث عن رسول الله ، وما ينطق عن الهوى بادرتَ إلى تطبيقه ، هذا جوهر العبادة ، مادمت قد آمنت بالله ، وبكتابه ، وبرسوله إذاً فمهمتك الأولى أن تعبده ، أي أن تبحث عن أمره ، وأن تطبق أمره .
قَالَ حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
لمجرد أن تعبده ، وأن تعبد معه جهةً أخرى ، أي أن تطيع جهةً أخرى ، أو أن ترضي جهةً أخرى ، أو أن ترجو جهةً أخرى ، أو أن تخاف من جهة أخرى ، أو أن تعلق الأمل على جهة ، أخرى فقد أشركت ، به مبالغةً في التوحيد أن تعبده ، وألا تشرك به شيئاً ، وأقل شيء في اللغة اسمه شيء ، كل شيء ممكن اسمه شيء ، هذه الذرة التي إذا كنست أرض الغرفة في أيام الشتاء ، والشمس في داخل الغرفة ترى ذرات ليس لها وزن إطلاقاً ، تجول في أجواء الغرفة ، هذه اسمها شيء .
وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
الشرك أخفى من دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء
وأدناه أن تحب على معصية ، وأن تبغض على جور ، أن تحب على جور ، وأن تبغض على عدل ، نصحك إنسان فغضبت ، أشركت نفسك مع الله عز وجل .
ثُمَّ قَالَ يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ
حق الله عليك أن تعبده ، آمنت به ، آمنت برسوله ، آمنت بكتابه ، تقصيت أمره ، طبق أمره ، نفذت أمره ، صليت الخمس ، حججت البيت ، صمت رمضان ، دفعت الزكاة ، غضضت بصرك ، تحريت دخلك ، أوقعت معاملتك لأهلك وفق شرع الله ، اعبده في كل ما تعلم ، الآن كما يقول النبي عليه الصلاة والسلام ينشأ لك حق عند الله .
فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ
نقص الماء يعذبهم ، نقص المواد يعذبهم ، شدة الحر تعذبهم ، شدة القر تعذبهم ، نقص المواد التي بين أيديهم يعذبهم ، الأزمات الطاحنة تعذبهم ،
قال تعالى :
(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً)
[سورة النساء : 147]
الحديث كله فيه محوران أساسيان ، حق الله على عباده ، أن يعبدوه ، وحقهم على الله ألاّ يعذبهم ، لذلك كأن النبي عليه الصلاة والسلام انطلق من قول الله عز وجل :
(مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً)
لأن الكون سخره الله لك تسخير تعريف فيجب أن تعرفه من خلال الكون ، ولأن الكون سخره الله لك تسخير إكرام فيجب أن تشكره ، فإذا سخره لك تعريفاً فعرفته ، وإذا سخره لك تكريماً فشكرته ، فقد حققت المراد الذي خلقت من أجله ، لذلك إذا كنت عبداً لله فمقام العبودية الطاعة ، مقام العبودية الطاعة مع الحب ، لأن الله سبحانه وتعالى سخر لك الكون كله ، أولاً سخره كي تحبه ، إذا ً لابد من طاعة مع الحب ، الطاعة مع الحب لا يمكن إلا أن تبنيا على معرفة الله عز وجل ، والطاعة مع الحب لا بد من أن تفضيا إلى سعادة أبدية .
يمكن أن ألخص لك الدين كله في ثلاث كلمات : الأولى مركزية ، والثانية تمهيدية ، والثالثة نتيجة حتمية ، إذا فعلت الوسطى فالنتيجة حتمية ، ولم تفعل الوسطى إلا إذا سلكت في المقدمة التمهيدية ، أنت مخلوق كي تطيعه، وتحبه ، لكن لن تطيعه ولن تحبه إلا إذا عرفته ، إن أطعته وأحببته سعدت بقربه في الدنيا والآخرة ، هذا هو الدين كله ، إذاً نشاط المؤمن منصرف إلى شيئين ، إلى معرفة الله ، وإلى طاعته ، والتقرب إليه ، عنده نشاط فكري دائماً ، ونشاط سلوكي ، إذا جاء إلى مجلس علم فهذا نشاط علمي تعرّفي ، إذا قرأ القرآن ، إذا قرأ السنة ، إذا قرأ كتاب السيرة ، إذا جلس في مجلس علم ، إذا استمع إلى خطبة، إذا أمر بالمعروف، إذا نهى عن المنكر، انصاع لأمر بالمعروف ، لنهي عن منكر ، هذا نشاط علمي مركزه الفكر .
الآن نشاط سلوكي ، مرت امرأة سافرة فغض بصره عنها ، عرض عليه دخل فيه شبهة فأعرض عنه ، في قبضه ، وفي دفعه ، في أقواله ، وأفعاله ، في خواطره ، في نطقه، في كلامه، إذاً لن تسعد إلا بحالتين، إذا عرفته، وإذا عبدته، و اقرأ القرآن كله فلن تجد في القرآن إلا هذين الشيئين:
(اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)
[سورة المؤمنون : 32]
لذلك قيل : نهاية العلم التوحيد ، موضوع التوحيد كفكرة سهل جداً ، أما كممارسة فأن تعيش التوحيد ، إذا جاءك أمر يزعجك ألاّ ترى إلا الله ، أن ترى يد الله الخفية ، أن ترى يد الله فوق يد هذا الذي ساق الشر إليك ، هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، تعرفه ، وتعبده ،
قال تعالى :
(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ
يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)
[سورة الكهف : 110]
ليطعه طاعةً تامة ، وليعمل الصالحات تقرباً إليه ، إذا أراد أن يلقاه ، ولن يلقاه إلا إذا عرفه ، إنما إلهكم إله واحد ، هذا ملخص الملخص ، هذا سر الدين ، الدين كله كامن في هذه الكلمات الثلاث ، تعرفه ، تعبده ، تسعد به في الدنيا وإلى الأبد .
إذاً من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام :
لا بورك لي في صباح يوم لم أزدد فيه من الله علماً،و لا بورك لي في صباح يوم لم أزدد فيه من الله قرباً
إذاً أي يوم يمضي لم تزدد فيه علماً ، ولم تزدد فيه قرباً فهو مضيعة من حياتك ، وهو خسارة كبيرة ، لأنك في الأساس بضعة أيام ، أنت زمن استهلكت يوماً في غير ما خلقت له ، هذه الخسارة ، إذاً أن تأتي إلى المسجد لتستمع إلى تفسير كتاب الله ، لتستمع إلى حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام ، لتستمع إلى سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، لتتعرف إلى الطريق إلى الله عز وجل ، هذا نشاط علمي ، الآن ذهبت إلى البيت ، في تعاملك مع أهل البيت ، مع أولادك ، مع زوجتك ، في كسب المال ، في إنفاق المال ، في مرحك ، في وقت فراغك ، في وقت عملك ، كيف آكل أسمي ماذا أفعل قبل أن آكل ؟ الوضوء قبله ، والوضوء بعده ، كيف أشرب ؟ جالساً على ثلاث مراحل ، كيف أنام ؟ على شقي الأيمن ، كيف أستيقظ ؟ كيف أدعو ؟ كيف أصلي ؟ كيف أعامل أقربائي ؟ كيف أعامل زبائني ؟ همك الوحيد في حياتك اليومية تطبيق ما تعلمته في المسجد .
مرة ثانية أقول لكم: الفرق بين أن تعرف السنة وأن تطبقها فرق كبير جداً ، كالفرق بين أن تقول : خمسمئة مليون وأن تملك هذا المبلغ ، أي إنسان يقول : خمسمئة مليون ، أما أن تملك هذا المبلغ فشيء مهم جداً بنظر بعض الناس ، كذلك السنة أن تقرأها شيء ، وأن تتذوقها شيء ، وأن تتأثر بها شيء ، وأن تلقيها على الناس شيء، وأن تفعلها شيء آخر ، لن تسعد بها إلا إذا طبقتها ، فالذي يحب ألاّ يضيع حياته سدىً ، الذي يحب أن يرقى يوماً بعد يوم ، من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، الذي يحب أن يقطف ثمار الدين ، أن يراها ملموسة بين يديه ، الذي يحب أن يقول : أنا أسعد الناس بهذا الدين ، ما من أحد أسعد مني ، الذي يحب أن يعرف طعم القرب ، طعم الحب ، طعم الثقة بالله ، طعم رضوان الله ، فلا يلتف للأقوال كلها ، بل يلتفت للأفعال ، ثمة نشاطان، نشاط علمي ، ونشاط تطبيقي ، نشاط في معرفة الخالق وأمره ونهيه وسنة نبيه ، ونشاط في تطبيق هذا الأمر والنهي ،
حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ
فإذا عذبك فعذابه علاج ، إذا قنن الأمطار فتقنين تأديب ، نحن نقنن تقنين عجز ، أما الله عز وجل فيقنن تقنين تأديب .
حقه علينا أن نعبده ، وحقنا عليه ألا يعذبنا .
إذا توقفت سيارة أحدنا لا يصيح وينادي ، بل يفتح الغطاء ، ويرى أين العطل ، ويصلح الخلل ، فتنطلق بالسيارة ، هذا موقف علمي ، قف من ربك موقفاً علمياً ، حينما أرسل هذه المشكلة لعلة أرادها لحكمة أرادها ، هناك خلل في حياتك ، ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيدكم ، وما يعفو الله أكثر .
قال الله تعالى:
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)
[وسرة الشورى : 30]
حقك عليه ألا يعذبك ، وحقه عليك أن تعبده ، هان الله عليهم فهانوا على الله ، كلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء ، كلما رخص لحم النساء غلا لحم الضأن ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ،
قال تعالى في القرآن الكريم :
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
[وسرة الأعراف : 96]
وقال تعالى في القرآن الكريم:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)
[سورة المائدة : 66]
وقال تعالى في القرآن الكريم:
(وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ)
[سورة الجن : 19-17]
هذه قواعد ثابتة، كلام الخالق، كلام خالق الكون، لذلك هنيئاً لمن عرف مفتاح الحقائق، لمن عرف القوانين الثابتة، هذه السنن، هذه سنن ثابتة، مثلاً للسقوط قانون، إذا ألقينا جسماً من السماء إلى الأرض يهوي متسارعاً إلى أن يتحطم على الأرض، أما إذا نزل بمظلة لها سطح مدروس، لها سطح يتناسب مع وزنه، ينزل ببطء، فإذا أُمِر الإنسان أن يلقي بنفسه من الطائرة فقانون السقوط إذا قبله أو لم يقبله، إذا آمن به أو لم يؤمن به، إذا أعجبه أم لم يعجبه، إذا بجّله أو سخر منه، إذا قبله أو رفضه، القانون مطبق، فالذكي يتعرف لقانون السقوط، ويتأدب معه، ليصل سالماً، أما إذا اخترق هذا القانون، وألقى الإنسان بنفسه من الطائرة بلا مظلة فإنه ينزل ميتاً، إذا رفض القانون، القانون مطبق عليه، ربنا وضع سننًا، إن قبلتها فأنت ذكي موفق، وإن لم تقبلها فهي مطبقة عليك، وأنت لا تدري، يا رب كم عصيتك ولم تعاقبني ؟ قال : عبدي كم عاقبتك، ولم تدر.
والحمد الله رب العالمين
منقول عن: أحاديث شريفة حق الله على عباده 09/ 307 الأحد 09/12/1990. لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي