تفاصيل الساعات الأخيرة لرحيل الفنان محمود صايمة

تفاصيل الساعات الأخيرة لرحيل الفنان محمود صايمة







بقلم يزن خواص




كانت روحه تنثر
الفرحة والابتسامة في بيوت الاردنيين وبالرغم من الألم الذي يسكن قلبه
نتيجه الإهمال الرسمي وضيق حاله فلم يمد يده بالحاجة وانما كان
صديقه المسرح يزيل هماً عن كل اردني بكى واشتكى من الم سببته حكوماتنا
المتعاقبة .




رحلت
ضحكته الدافئة وقبل 5ساعات من الرحيل كنت اجلس مع " ابو العبد " نحتسي
القهوة منتصف الليل ونتحدث عن عمل مشترك ومسرحية اراد ان يسميها " الملك
هو الملك " وفكرة الراحل كانت بلفت الاردنيين الى خطورة ما يحدث في الدول
العربية واقناعهم بكوميديا الإصلاح ونقل معاناة هذا الوطن الحبيب واوجاع
شعبه الطيب والملك الذي يسرح بعيناه في الأفق البعيد وشعره الأبيض الذي
يستحيل إلى أبيض بمرور الأيام والليالي حتى يبقى العرش والبلد في منأى
غدرات الأيام وعصف العاتيات .




جرح اليوم كان
كبيراً وتخاذل الموقف الرسمي كان مخزياً ومعيباً في حق الفن الاردني ، ترى
هل تتذكر الحكومة وغيرها من الجهات الرسمية الداعمة للفن تسابقها لرعاية
وحضور مسرحيات حمدي الذي كان صاحب الرسالة التي حملها اصدقائه الاردنيون
من شرق الوطن الى غربه ومن شماله الى جنوبه لعفويته وموثوقية ذلك
المنتج لذي لم يروج لحكومات أو وزراء ومسؤولين، بل لدولة ووطن وشعب لم
يتغير رغم رياح التغيير التي تهب على أصحاب المقاعد، فتذهب بمن تذهب، ويبقى
صاحب الذكر الطيب.




ما حصل معيب بحق
الفن الاردني ولن يشفي غليل كل فنان او مبدع تابع جنازة الفنان الراحل
فأي كلمة نوجهها للإعلام العربي الذي تابع باهتمام بالغ خبر وفاة " ابو
العبد " ووزارة الثقافة التي ترسل من ينوب عنها ،، لماذا نتعامل مع نبأ
الوفاة باستحياء وبما لا يليق مع عطاء فنان كصايمة مما يعطي الإنطباع بأننا
شعب نرحب دائما بمن يأتي في حين ندير ظهورنا لمن يرحل رغم اننا لسنا كذلك





يقول لي الفنان
الراحل في الساعات الأخيرة من وداعه " اريد لقاءً مع مستشار جلالة الملك
لكن قبل اللقاء يجب ان استحمم .... " في اشارة الى الحالة التي وصلها اليها
فنان بحجم " محمود صايمة "




ويتابع " في احد
الايام كنا في عرض مسرحي امام جلالة الملك انا ورفيق عمري حسين طبيشات
ونحن صاعدون في ستاد عمان للسلام على جلالته دار حديث بيني وبين العم غافل
عما سنطلبه من الملك وقبل وصولنا بلحظات اتفقنا على عدم طلب اي شيء .. "
الملك اللي فيه مكفيه " ولا نريد ان نثقل عليه بطلباتنا خاصة واننا ننقل
معاناة اخواننا الاردنيين من العيب ان نطلب على ظهورهم علينا ان نصمت اما
معاناتنا فلنا الله "




في احد ايام
رمضان واثناء مشاركته ببرنامج سوا بتهون لمتابعة الفقراء كان صايمة في
السلط سألته عن المسؤولين فلم يتردد ليظهر على الشاشة ويقول لهم " 50 دينار
مابكفي مصاص لأولادكم يا معروف البخيت عيب نلاقي في اردنا بيت مواطن
راتبوا بروح للفيران ... وزارة التنمية الاجتماعية بدها مين يساعدها ..
اما الفنان الاردني فبدو برنامج خاص .."











حمدي كان قد دخل
مستشفى الاسراء قبل حوالي الاسبوعين وبالرغم من الألم الذي سكن قلبه
والهم المادي الذي كان يعاني منه لكنه بقي مرحاً يقدم المواساة للأطباء
والممرضين بدلاً من أن يواسوه !!






رأيت في عين
الفنان القدير ما لم اره في أي ليلة ، ليلة الوداع كان يحدثني عن اصدقائه
حسين الخطيب وزهير النوباني وابراهيم ابو الخير ولارا الصفدي وعبيرعيسى
ونادرة عمران وسعد الدين عطية وحسن سبايلة وعثمان الشمايلة وسهير فهد ود
اوود جلاجل و رفيق دربه حسين طبيشات وجهاد ابو بيد ر وكامل نصيرات
وفنانون آخرون اعتذر ان نسيتهم او تناسيتهم فاصدقاء حمدي كثيرون وهم باقون
يستذكرون محطاته ومعاناته ومسيرته الحافلة بالانجاز تلو الانجاز .




إن
الأمة التي ليس لها تاريخ مشرف ، تستحق الاستعباد ، والشعوب التي لا تحافظ
على ذاكرتها المضيئة تستحق التشريد ، والبلد الذي لا تراث فيه لا روح فيه ،
والنفس التي لا تحمل الحنين جيفة ، واللسان الذي لا ينطق بالحق ، قطعه
واجب ، فرجال الاعمال والمال يحق لهم ما لا يحق لغيرهم أمام اصحاب الفن
والرسالة التي استثمرا حياتهم في شرف الوطن وكرامة الأمة فما لهم منا سوى
الإعتذار فما باليد حيلة






إن أزمتنا
الأبلغ أثرا والخانقة والأعمق إيلاما هي خوفنا على الوطن في الوقت الذي
تراجع به الحس بالمسؤولية الوطنية عند أصحاب القرار الذين لا يتوجعون
لتراجع دور الأردن الإبداعي والفني والثقافي على مساحة العالم العربي بقدر
ما ينظرون إلى المكافآت الكبيرة والتي تتجاوز رواتبهم الشهرية ومكافآتهم
دخول الفنانين طوال العام ...كم من الإبداعات والطاقات خطفها الموت وهي في
ذروة توهجها ... وكم من الفعاليات الفنية التي رفعت اسم الأردن عالياً خبت
وتلاشت... وكم من الأصوات أسكتت ...




ترى هل تبث الوفاة المفاجئة للراحل صايمة الروح في مؤؤسساتنا لنتعلم درساً في احترام ذاكرتنا الوطنية ؟




مات " حمدي " والابتسامة على شفاهه

..اخي
محمود سيبقى اسمك خالد في قلوبنا فلترقد روحك بسلام ايها المحب .. نراك
شيئاً جميلاً غادرت حياتنا دون أن نقول لك كلمة " شكراً "