العين حق فاحذروها، فهناك عين تفلق الصخر وعين تدخل القبر، والعين هنا ليست عين الرؤية المجردة، ولكنها عين الناظر الخبيث الحاسد لما يرى، وفي ديننا قول الرسول الكريم “العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين”، كما ذكر عن النبي أنه قال: “أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين”، وكثيرون لا يصدقون أو لا يقتنعون بقوة وتأثير العين على الآخرين، لكن الواقع الذي نعيش فيه يقول إن العين حق فاحذروها.
وحار الناس في أمر العين وقدرة البعض على إصابة الناس بضرر كبير جراء توجيه عيونهم، وخبث دواخلهم إلى شيء ما يتمتع به غيرهم، فنرى ذلك الشيء وقد أصيب بالعطب أو الأذى، فيقال أصابه فلان بعينه، وهذا صحيح وثابت في الدين ووقائع الحياة، لكن الناس بين منكر بالمطلق، ومصدق إلى درجة الوسواس، وهناك من يتخذ من الإجراءات ما يكفل له التحرز من عيون الحساد ونظراتهم الخبيثة.
حكت لي صديقة أعرف حسن أخلاقها أنها أصيبت ذات مرة بعين “حارة”، من قبل سيدة معروفة بقوة العين، وكانت إصابتها في شعرها وكان شعراً طويلاً وجميلاً، وبين ليلة وضحاها أصيب بداء القمل الذي أخذ منها زمناً طويلاً للتخلص منه طبياً، فما استجاب لأي علاج بالمطلق إلا بعد أن غسلت شعرها بماء جيء لها به من عند تلك المرأة التي قرأت فيه شيئاً من القرآن أو غسلت به يدها أو شيئاً من هذا وذاك. حين سمعت الحكاية منها شخصياً، اقشعر جسدي لهول ما يمكن أن يمتلك البعض من طاقات خفية يمكن أن يسلطوها عليك وأنت يا غافل لك الله.
لكن الحاسد أو الذي يملك قوة الإصابة بالعين لا يقصد الأذى حين يتأمل شيئاً، فما ذنبه يا مولانا؟ هكذا سألت أحد رجال الدين الأجلاء، فقال لي: من علم من نفسه بالتواتر والتجربة قوة الإصابة، وانه من الذين يصيبون بالعين عليه أن يذكر الله كثيراً فإذا وقع من نفسه شيء من الإعجاب والانبهار، فعليه أن يشيح بعينه مكثراً من ذكر الله، وأن يطهر نفسه من الحسد والحقد، فالحسد والعين لا يسكنان إلا نفوساً خبثت نواياها.
علمياً، فإن العين التي تصيب بالأذي هي عين تمتلك القدرة على توجيه شيء يشبه السهام غير المرئية أو أشعة الليزر التي يمكن أن تقص الحديد وتفلق الصخر، وهي قدرات خفية خارقة يمتلكها البعض لا علاقة لها بالصلاح والتقوى أو سوء الخلق وانعدام الدين، فالحاسد يمكن أن يكون من أي دين أو ملة، وقد يكون مستقيم الخلق أو العكس تماماً. إنها طاقات خفية في كون الله الواسع ذي الخفايا والأسرار.
وهو – أي الحسد – أمر شائع ومعروف لدى كل الأمم والشعوب، ومعروف عن القدماء أنهم إذ يدقهم الحسد يدقون على الخشب لطرد الأرواح الشريرة فنهينا عن دق الخشب، وأمرنا بآيات نقرأها تكون حماية وحصانة لأجسادنا وأرواحنا من العين، لكن الحسود وصاحب العين يواصل توزيع إشعاعاته، وكلما مر بأرض ترك فيها ضحية، فسبحان من جعل للعين كل هذه القوة القاهرة. عين تصيب قلوب أعتى الرجال بنظرة، وعيون تصيب أعتى الفرسان بنظرة، وبين النظرتين قتيل، هو وقتيل حسد.