فساد في الهند * معن البياري

فساد في الهند * معن البياري



يحدُث، في الهند، منذ أَسابيع، صخبٌ كثير بشأنِ الفساد هناك، ومشروعِ قانونٍ لمكافحتِه، طرحتْه الحكومةُ على البرلمان، ثم اضطرَّت لسحبِه وتقديمِ آخر، بعدَ اعتصاماتٍ شعبيةٍ لجموعٍ غفيرة، قادَها خصوصاً ناشطٌ اسمه آنا هازاري (74 عاماً). دشَّنَ حملتَه في «تويتر» و»فيسبوك»، ثم بدأَ إِضراباً عن الطعام، وأَصرَّ على طلبِه طرحَ مشروع قانونٍ متشددٍ في مراقبةِ الأَوضاع الماليةِ للمسؤولين في بلادِه، وصار له ملايينُ الأَنصار من مختلف الطبقات في عموم الهند، فاعتقلته السلطاتُ، ما أَكسبه زخماً مضاعفاً اضطرَّها إِلى إِطلاق سراحه، فواصلَ نشاطَه وإِضرابَه عن الطعام، واعتصاماته مع مؤيديه في وسط نيودلهي، إِلى أَن امتثلت الحكومةُ لمطلبِه الذي يُعبِّر عن حاجة الهنودِ إِلى كبحِ فسادٍ في بلادهم، قرأْنا أَنَّه صار مهولاً وأَنَّ فضائحَه مريعة، وأَنَّ وزراءَ ومسؤولين سابقين متورطون في بعضِه، وكنّا نعرفُ أَنَّ اقتصادَ الهند من الأَسرع نمواً في العالم.

نجحَ هازاري في مسعاه، (بالمناسبة، هو متقاعد عسكري)، واستطاعَ بالاحتجاج المدنيِّ السلميِّ، والتواصل مع وسائل الإِعلام المتنوعة، أَنْ يحشدَ لدعوتِه ملايين الأَنصار، وأَنْ يُجبر السلطةَ في بلادِه على أَنْ تأْخذَ بما أَلحَّ عليه، بشأْنِ طرائقَ أَكثرَ صرامةً، وربما قسوةً، في الرقابةِ الماليةِ ومحاسبةِ الذِّمم وتقصّي وسائل الكسب لدى المسؤولين، قضاةً ووزراءَ ونواباً، وفي أَيِّ مطرحٍ كانوا. ولامتصاصِ غضبٍ شعبيٍّ متزايد، نشر رئيسُ الحكومةِ الهنديةِ، مانموهان سينج، ووزراؤه، تفاصيلَ ثرواتِهم الشخصيةِ على الموقع الأَلكتروني لمكتبِه، واللافتُ أَنَّ الرجل يملك أَكثر من مليون دولار في بلدٍ يعيش أَكثر من 800 مليون من مواطنيه على 20 روبيّة يومياً، ويتحدّى، في الوقتِ نفسِه، زعيمَ الحزب المعارض أَنْ يُثبتَ استفادتَه، أَو أَيٍّ من أَفرادِ أُسرته، من منصبِه. ومع معرفتنا المؤكَّدة أَنَّ الهند تعرف واحدةً من أَعرق الديمقراطيات في العالم، وأَكثرها نزاهةً في الانتخابات التعددية، وأَميزها في تشدد برلماناتها، نجدُنا أَمام حقيقةِ أَنَّ هذا كله، وغيره، لا يحولُ دون تفشّي الفسادِ الذي يستطيع مقترفوه أَن يُيَسّروا لأَنفسِهم مكاسبَ غير مشروعةٍ بطرائق قانونية، بأَساليب التشاطر الأَخطبوطية التي تحتاج أَدمغةَ احتيالٍ خاصّة.

نقرأُ للروائيةِ الهندية أَرونداتي روي، غير المتعاطفة مع هازاري، مقالةً رفيعةً بشأن حملتِه، وتراها نتاجَ فشلٍ كاملٍ للديمقراطية في بلادِها، وتشيرُ إِلى تمويلِ شركاتٍ ومؤسساتٍ كبرى منظماتٍ غيرِ حكوميةٍ نشطت في الحملة. ونقرأُ لكاتبٍ هندي آخر أَنَّ الديمقراطيةَ في بلادِه معرضة للخطر، بسببِ طرح هازاري قضيَّته بالقوة المتمثلةِ بالإضراب المفتوح عن الطعام، في بلدٍ يعرف نظاماً سياسياً مفتوحاً، كلُّ الأَولوياتِ فيه لصناديق الاقتراع في الممارسةِ السياسية. ويكتب معلق آخر أَنَّ ما قام به هذا الرجل يُهدِّد مؤسسةَ الدولة الهندية، اعتماداً على جاذبيةِ شخصيّتهِ وبراعتِه الخطابية.. لا نُلاحقُ هذا الرأيَ وذاك في الصحافة الهندية، للتسلي في تقصّي غانديّة معارضٍ هنديٍّ نشط، بل هي الرغبةُ في اكتشافِ مناطقَ أُخرى في النقاش بشأْن الفساد، لما قد تُيَسّره من إِفادةٍ ممكنةٍ بشأْنه في بلادِنا. نقرأُ، مثلاً، أَن «ويكيليكس» نشر برقياتٍ ومراسلاتٍ أَميركيةٍ عن تواطؤ في الهند بين شركاتٍ رئيسيةٍ وصحافيين كبارٍ ووزراءَ وسياسيين، من حزبي المؤتمر (الحاكم) وبهاراتيا جاناتا المعارض، في اختلاسِ مئات آلاف الروبيّات من الخزانة العامة. لم ينشر «ويكيليكس» شيئاً مثل هذا عن الأُردن، والحمد لله.

باي بلد في فساد لا تستغربي شي

يعني وين ما رحنا فساد من كبار ويعني ما رح تنتهي هالمشكلة

اكيد كلام ما دام فيه مفسدين ..فيه فساد