الهرش في الزمن الخرابيشي * يوسف غيشان
كان أخي نبيل يكره الدراسة – العبقرية حلت عليه ع كبر- وكانت أصعب أوقاته عندما تجبره الوالدة الرؤوم على مراجعة الدروس ، أو ينجبر هو، نظرا لبدء موسم الامتحانات، وكان من العبقرية بمكان أنه كان يدرس – أو بالأحرى يحاول أن يدرس- اللغة العربية ليلة امتحان الرياضيات ، والدين ليلة العلوم ، والسبب أنه كان يعتبر الدراسة دراسة ، لذلك كان يتناول اقرب كتاب اليه ويشرع في «القراية» على مرأى من الوالدة الأمية .
طبعا كانت دراسة نبيل تبدأ بعد انتهاء المسلسل العربي الذي كان يبث على التفزيون الأردني بعد أخبار الثامنة مساء ، لم نكن نملك جهاز تلفزيون ، لكنه كان يتابع الحلقات على شبابيك الجيران. وكان اكثر مسلسلاته محبة اليه مسلسل (بنت الحتة) المصري ، حيث اضاع سنة كاملة من عمره الدراسي بسببه ، وأذكر أن الوالدة الرؤوم كانت تضربه بالقصيبة، وهي تصرخ بتهكم ( وين رايح ؟ ع بنت الحتة، منين جاي؟ من بنت الحتة).
ما علينا . كل ما ذكر أعلاه كان تمهيدا لأخبركم أن اخي نبيل عندما كان يحاول مسك الكتاب للدراسة كان يصاب بالحكيكة في جميع أجزاء جسمه . فيمسك الكتاب بيد ، ويهرش باليد الأخرى( يد تقرأ ويد تهارش)، ثم لا يلبث أن يرمي الكتاب ويشرع بالهرش العشوائي بعزم وتصميم قاض عصي على الارتشاء...ويقنع نفسه بأنه حاول الدراسة لكن (الهراشة منعته من الدراسة)، فينال أجر المحاولة على الأقل.
تذكرت هذه القصة وأنا اتابع الصحف والمواقع الاليكترونية مساء أمس ، حيث بدأت أهرش بيد واحدة في البداية ، ثم شرعت اهرش باليدين، وساعدني القلم وفارة الكمبيوتر وملقط الأرجيلة.... صرت اهرش وأهرش وأهرش ..وعرفت متعة الهرش في الزمن الخرابيشي.
- كنت اقرأ الخبر مكررا لدى الجميع .
- ثم اقرأ مقالات تعقب على ذات الموضوع ...هذا ضده وذاك معه وذاك يحاول التوفيق بينهما فلا ينجح.
- بيانات في بيانات في بيانات ، والكل يدعي الوطنية والحرص على مصلحة الوطن الذي يفتديه بدمه وروحه(معط حكي طبعا).
- هذا يتهم اولئك بالعمالة للناتو وبيلعب ب......!!
- وأولئك يتهمون الأخرين بالتحالف مع الديكتاتورية ضد الشعوب!!
- هؤلاء يعتبرون الذهاب الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن من اجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية عمالة ، وآخرون يعتبرونه واجبا وطنيا على الجميع الالتزام به.
- هؤلاء مع دسترة فك الارتباك(خطأ مطبعي غير مقصود لكنه جميل ، اقصد فك الارتباط) وأولئك مع إلغاء فك الارتباط..
أنا الآن أهرش وأهرش وأهرش ، وقد عرفت السبب الذي كان يصيب نبيل بالهرش!!
- لأنه لم يكن يفهم شيئا!!