أن تدخل السلطة السياسية هذا ليس عيبًا بل على العكس هو مزية، حيث إ ن هذا النوع من
التعيين يدعم مشروعية تعيينهم ويق رب بين النظامين الأوروبي والأمريكي : ويقول كابيلتي
7):"إن هذا الاختلاف المهم (عدم انتخاب القضا ة) بين عالم القانون المدني ) (Cappeletti)
إن لم يكن قد زال فإنه على الأقل قد خفت وطأته ،(Common law) وعالم القانون العمومي
حديثًا، وعلى الأخص من قِبل م ن أحد َ ث (…) المحاكم الدستورية التي قضاتها في الغال ب
أشخاص منتخبون أو معينون سياس يًا. ونلاحظ في هذا الاتجاه أن كلسن بعد أن كان قد ذكر
(3)Waline. M., “Eléments d’une théorie de la Juridiction Constitutionnelle”, R.D.P. 1928.
(4)Kelsen. H. op.cit. p. 234.
(5)Kelsen. H. op.cit. p. 227.
(6)R. D. P., 1984, no 5, p. 1147.
(7)Cappelletti. M., “Cours Constitutionnelles”, p. 478.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
119
الأشكال المختلفة والممك نة للتعيينات (وعلى الأخص الانتخاب من قبل البرلمان أو التسمية من
قبل رئيس الدولة، أو الخلط بين الأسلوبين " يرى أنه "من الأفضل القبول، بمشاركة مشروعة
من قبل الأحزاب السياسية، في تشكيل المحكمة الدستورية، بد ً لا من تأثير خفي غير مسيطر
عليه".
فإذا قارنا التركيب الحقيقي لمختلف المحاكم الدستورية في الوقت الحاضر، فإننا نجد أن
هناك تشابهًا كبيرًا، فالسلطات السياسية أيًا كانت، قد قامت بتعيين قض اة قريبين من ميولها
السياسية أو يتبعون هذه الميول، وهذا هو واقع الحال في كل من ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا
وفرنسا أو في النمسا ح يث نجد أن الحزبين أو الثلا ثة أحزاب السياسية الرئيسية تتقاسم
الاختيار، وكذلك الأمر في ألمانيا وأسبانيا عندما كانت هن اك إرادة باتخاذ الاحتياطات ل تجّن ب
هذا النوع من التعيين ، وعلاوة على ذلك فإن أصول الأعضاء متشابهة جدًا، يضاف إلى ذلك
كخاصية رئيسية وجود أساتذة الجامعات بنسبة مهمة . وفيما يتعلق بهذه المسألة الأخيرة فهي
ليست من قبيل المصادفة وإنما يفسرها أنه في هذه البلاد هناك استقلال لأساتذة الجامعات أكثر
من قضاة المهنة.
ه. إنها قضاء حقيقي
ومن أجل الاعتراف لها بصفة المحكمة الدستورية، يجب أن تتمتع المؤسسة أيضًا بصفة
القضاء الحقيقي.
فمن الواجب إذًا أن نبين أن ذلك يتم بنا ء على خصائص المحكمة الدستورية وليس على أساس
تعاريف القانون الخاص أو القانون الإداري . لهذا لا يجوز رفض تسميتها بالمحكمة الدستورية
بسبب تركيبتها أو طريقة تعيين أعضائها أو سيرها، لأن هذا يؤدي إلى رفض إعطاء هذه
الصفة لها جميعها بما فيها المحكمة الأمريكية العليا، لأن لها صفات مشابهة من حيث
التركيب.
والخلاصة، أن ما يهمنا هو أن المحكمة الدستورية تقول كلمة الحق مع قوة القضية المقضية
–erga - وأن إعلانها لعدم دستورية القانون يمكن أن يؤدي إلى الإلغاء في مواجهة الكافة
.omnes
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
120
وبالمقابل، عندما لا تستطيع المحكمة إلا إرسال القانون للبرلمان من دون أن تستطيع إلغاءه
بنفسها، فعندها تحوم الشبهة حول كونها قضا ء حقيقيًا، لكن عندما يكون بإمكانها إعادة صياغة
القانون وأن تضع صيغتها مكان صيغة المشرع فإنها عندئذٍ تقوم بعمل تشريعي . وكما قال
إن عدم إمكانية الأجهزة (المسؤولة عن رقابة …" :(Rubio Liorente) روبيو لورنت
الدستورية) بإدخال تعديلات على النص المحال إليها، يميز (…) بوضوح تام الوظيفة
.( التشريعية عن الوظيفة الرقابة"( 8
و. قضاء خارج الأداة القضائية.
وهذا هو الاختلاف الأساسي بين محكمة عليا ومحكمة د ستورية. ففي حين أن الأولى هي
بالضرورة –بنا ء على اسمه ا- موضوعة على رأس البنيان القضائي، نجد أن الثانية موضوعة
خارج أي أداة قضائية.
بخصوص المحكمة الإيطالية قائ ً لا: "إنها لا تدخل ليس (Crisafulli) وكما أبان كريزافولي
فقط ضمن نظام القضاء المدني، بل أيضًا ضمن التنظيم القضائي بالمعنى الواسع جدًا
للاصطلاح: …… إن المحكمة الدستورية …… تبقى خارج سلطات الدولة التقليدية
المعروفة، وتشكل سلطة مستقلة يتضمن دورها ضمان احترام الدستور في جميع المجالات ".
وهذا يشمل جميع الأنظمة، لأنه كما أوضح أيضًا الفقيه كلسن بأن الجهاز المسؤ ول عن فرض
.( احترام الدستور لا يمكن تشبيهه بإحدى السلطات التي يراقبها( 9
ومع ذلك، إذا كان هناك استقلال تام من الناحية العضوية، فمن الممكن أن توجد علاقة من
الناحية الوظيفية . مثال ذلك إجراءات الإحالة من قبل المحاكم العادية إلى المحكمة الدستورية
أو الدعوى الدس تورية في ألمانيا والتي تسمح بإحالة قرارات قضائية للمحكمة الدستورية بسبب
الاعتداء على الحقوق الأساسية . ويلاحظ أن النظام الفرنسي هو الوحيد الذي لا يتضمن مثل
هذا الاتصال بين القضاة العاديين والقاضي الدستوري (إلا الحالة الاستثنائية في موضوع
الانتخابات).
(8)Liorente. R. “Le Côutrole de la Constitutionnalité des lois”, p. 53.
(9)Crisafulli. V., R. D. P. 1968. P. 130.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
121
بعد أن استعرضنا دراسة الشروط المختلفة لوجود المحكمة الدستورية، سننتقل الآن إلى دراسة
تمركز رقابة دستورية القوانين.
المطلب الثاني
الصلاحية المركزية العمومية – مركزية الرقابة دستورية القوانين II
كما سبق وأن رأينا، لن تكون هناك عدالة دستورية، ومن ثَم لن تكون هناك م حكمة دستورية،
من دون هذا الاختصاص المركزي، الذي هو رقابة دستورية القوانين، أي خضوع إرادة
البرلمان لاحترام القاعدة القانونية، سواء أكان المقصود قاعدة قانونية شكلية أم قاعدة قانونية
أساسية. وفيما عدا القوانين الوطنية، لن تكون هناك صعوبات في تحقيق هذا الخضوع
للقانون، ولن تكون هناك حاجة لقضاء دستوري عالٍ يحتل في النظام القانوني والسياسي
المكانة العليا (حتى فوق السلطات العامة في الدولة )، من أجل أن يراقب أنظمة السلطة
الإدارية، أو حتى قوانين الأقاليم أو القوانين المحلية . ومع ذلك فيما يتعلق بهذه الصلاحيات
الأخيرة، فإنه بالإمكان ربطها بالصلاحية الرئيسية للمحكمة الدستورية كما في أسبانيا أو ألمانيا
أو في إيطاليا (بالنسبة للأعمال التشريعية التي لا تصدر عن السلطة المركزية، أو كما في
النمسا (بالنسبة لأنظمة السلطة الإدارية )، إ ّ لا إ ن المشكلة الحقيقية، لأي محكمة دستورية، تو جد
من حيث الواقع في قدرتها على تصحيح وحتى إلغاء الاختيار السياسي الأساسي الصادر عن
المشرع الذي يمثل الإرادة العامة . لهذا يجب علينا دراسة هذه المسألة من ناحية أشكال الرقابة
ووظائفها وتقاناتها.
أ. أشكال الرقابة
إن أشكال الرقابة على ما يبدو متشعبة جدًا، لكن في النهاية، يمكن جمعها حول مفاهيم من
الرقابة المجردة أو الحسية للقواعد القانونية، أو أيضًا حول النزاع الموضوعي أو النزاع
الشخصي.
في أساسها هي الرقابة التي تقوم بها السلطات (Normes) إن الرقابة المجردة للسنن القانونية
السياسية، ولا يهم سواء أكانت سابقة أم لا حقة، لأن المقصود دائمًا نزاعًا موضوعيًا، أي
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
122
دعوى في مواجهة قانون . وسواء أكانت الرقابة قبل تصديق القانون أم بعده ، فإن ذلك لا يغير
شيئًا لأن القانون يوجد من لحظة التصديق عليه وأن التصديق عليه لا يضيف شيئًا، وهذا ما
جاء به الفقيه كاري دي مالبيرج ( 10 ). إذ يقول : "يكفي أن الغرف –البرلمانية- قد قررت تبني
النص كي يكون تشريعهم كام ً لا، من ناحية الآثار الإلزامية التي ُقدِّر له أن ينتجه ا". فمث ً لا
توجد الرقابة المسبقة أمام المحاكم الدستورية في ألمانيا وإيطاليا وأسبانيا والنمسا والبرتغال
ومع ذلك لم يقل أحد : إ ن هذه المح اكم تمارس رقابة قضائية عندما تحكم لاحقًا وليس عندما
تحكم مسبق ًا. إذًا لا فرق إ ن تمت مراجعة المحكمة الدستورية مسبقًا أو لاحقًا، من قبل الأقليات
البرلمانية أو سلطات الدولة، حيث إ ن هذا النوع من الرقابة كان قد امتدحه منذ البداية الفقيه
كلسن، كما أنه في صالح النظام الدستوري . لكن عند إمعان النظر، نلاحظ أن فرنسا فقط هي
التي تمارس بشكل أساسي هذا النموذج من الرقابة الذي يتوافق مع الشكل الأصلي، أما في
ألمانيا والنمسا وإيطاليا، فهو يحتل مكانة متناقصة جدًا بالنسبة لحجم الفعالية العامة للمحكمة،
وكذلك أسبانيا والبرتغال لهما الميول نفسها.
وبهذا تبدو الرقابة الحسية للقواعد القانونية بأنها رقابة ذات امتياز، وعليه لنا أن نتساءل إذًا،
هل تتبع التقاليد الأمريكية إلى حد ما؟ لكن هناك العديد من الملاحظات تحد من نطاق هذا
الاستنتاج الأولي، إذ إ ن هذا النوع من الرقابة محدود استع ماله في ألمانيا والنمسا وأسبانيا، لأن
الإحالة المتعلقة بالقوانين من قبل المحاكم العادية قليلة جدًا، لكن بالمقابل نجد الإحالات
مستعملة بكثرة في إيطاليا.
أيضًا هناك تساؤل آخر، ألسنا أمام نزاع موضوعي حيث إ ن الدعوى العارضة تخرج عن
؟(erga Omnes) تدخل الأطراف، والقرار الصادر في هذه الدعوى يصدر في مواجهة الكافة
(a quo) كذلك، إ ن المستدعي الحقيقي في هذه الدعوى الدستورية في إيطاليا أليس هو القاضي
أي السلطة العامة؟
(10)Carré de Malberg, “La loi”, p. 147.
وانظر كذلك كتاب الدكتور طعيمه الجرف "موجز القانون الدستوري "، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة،
.279- 1960 ، ص 278
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
123
لكن هناك ثلاثة نماذج من الدعاوي يصعب تصنيفها وهي : الدعوى الدستورية الألمانية،
وأخيرًا، الدعوى في مواجهة القرارات الإدارية أمام المحكمة ،(amparo) والامبارو الأسبانية
النمساوية. في هذه الحالات الثلاث، نلاحظ أن مسألة دستورية قانون ما يمكن تقديمها أمام
المحكمة… بمبادرة من المحكمة نفسها تلقائيًا ابتدا ء من حالة خاصة . وفي النمسا مث ً لا هذه
الإمكانية مستعملة بك ثرة، إذ إنَّه في عام 1982 كانت 60 % من دعاوي رقابة دستورية
القوانين قد تمت على هذه الشاكلة ( 11 ). لكن من ناحية أخرى، نجد أن المحكمة الألمانية تعترف
لنفسها بالحق ليس فقط بإثارة مسألة عدم دستورية قانون ما تلقائيًا من نفسها بمناسبة دعوى
مقدمة في مواجهة قرار إداري أو قضائي، لكن لها أيضًا أن تختار من بين القضايا تلك التي
تكون هدفًا لحكم حقيقي . وبهذا نصل إلى القول : إ ن الدعوى الدستورية لها "وظيفة
للقاضي الدستوري في كل مرة عندما يرى " (Béguin) موضوعية"، أي أنها تسمح كما قال
.( ذلك مناسبًا ……… بأن يضمن ضبط القانون الدستوري وتطوره بشكل دوري"( 12
ب. من وجهة نظر وظائف الرقابة على دستورية القوانين
هنا يجب علينا معرفة يتفوق المجال الموضوعي على المجال الشخصي؟
في الحقيقية إ ن هذه الرقابة مهما كان في النهاية الشكل أو الإجراء المستخدم فيها، فإنها لم
تنشأ لكي ترضي الأفراد مباشرة إلا قلي ً لا. إن مبررات هذه الرقابة، وشرعيتها إذًا، تتضمن
إنجاز عدد من الوظائف ذات الصفة العامة التي لا بد منها من أجل السير الحسن للمؤسسات
في الدولة الحديثة، وأيضًا لترقية الحقوق الأساسية وحمايتها.
إن حماية الحقوق الأساسية في مواجهة المشرع هي أولى الوظائف، لأ ن المحكمة الدستورية
في الأنظمة التي تسير على النموذج الأوروبي هي وحدها القادرة على إنجاز هذه الوظيفة . أما
القضاة العاديون مثل مجلس الدولة الفرنسي يمكنهم القيام بهذا الدور فيما يخص القرارات
(11)Favoreu. L. op.cit., p. 25.
(12)Béguin (J.-C.), "Le Côntrole de la Constitutionnalité des lois en RFA”, Paris,
Economica, 1982. P. 123.
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
124
الإدارية على أي مستوى . لكن في مواجهة المشرع فقط القاضي الدستوري هو الذي يقوم به ا.
وفي مختلف البلدان التي لها محكمة دستورية فإن اجتهادها الذي تقوم به شيء أساسي.
إن رقابة دستورية القوانين لها وظائف أخرى مترابطة : فهي تسهم في جعل الحياة السياسية
مسالمة إذ إنَّها تعطي المعارضة التأكيد بأن لديها الوسيلة لفرض احترام الحدود الدس تورية
على الأغلبية، أيضًا نجدها تضمن تنظيم التغييرات وشرعيتها والتناوب السياسي من خلال
تجنب "عودة رقاص الساعة " بعنف والذي يمكن أن يؤدي إلى الخلل في التوازن الدستوري،
كما أنها بتركيز فيض إصلاحات الأغلبية الجديدة، تقوي تلاحم المجتمع السياسي كما كانت
عليه الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.
ج. تقانات رقابة دستورية القوانين
تميل تقانات الرقابة على دستورية القوانين إلى التقارب فيما بينها من حيث مضمون القرارات
ومداه.
فالقضاة في كل من ألمانيا وإيطاليا والنمسا وفرنسا، ينزعون لتبني تقانات تسمح بمراقبة
التشريع من د ون مواجهة مع المشرع . فبد ً لا من أن يلغى، نجد القاضي الدستوري يفضل
القول: إ ن التشريع "متوافق مع تحفظ " ولقد تبنى العديد من الصيغ والأساليب التي تفتح
.( الإمكانية للوصول إلى النتائج نفسها( 13
كذلك، ما دام القاضي الدستوري يواجه مسألة خرق مبدأ المساواة بشكل شبه د وري، فإنه ملزم
بإعداد اجتهاد أكثر فأكثر تعقيدًا، بحيث لا يؤدي فقط إلى رقابة العقلانية على العمل التشريعي
.( بل لرقابة الملاءمة أيضًا( 14
بعد أن درسنا الخصائص العامة للمحاكم الدستورية الأوروبية، سننتقل الآن إلى دراسة الوضع
في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يتصف حسب رأي الفقيه ادوارد لامبير بعدم وجود
.( نظام إداري( 15
(13)Drago, G. “L’Exécution des décisions du conseil constitutionnel” “L’efectivité du
côntrole de constitutionmalité des lois”, Economica. P. 74 et p. 125. (14)Favoreu. L. op.cit., p. 27.
(15)Lambert. E. “le gouvernment des juges et la tutte contre la législation sociale aux
Etats-Unis", Paris, 1921.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
125
المبحث الثاني
الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية
للمحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية صلاحيات خاصة بها وعلاوة على ذلك فهي
موضوعة على رأس الأداة القضائية الأمريكية.
إن الصلاحية المباشرة والمانعة للمحكمة العليا الأمريكية تتعلق بالدعاوي التي تكون فيها طرفًا
إحدى الدول الداخلة في الاتحاد أو سفيرًا أو وزيرًا أو الاتحاد الأمريكي نفسه.
أما صلاحياتها كمحكمة استئنافية فإنها تمتد لتشمل الدعاوي المرفوعة أمام المحاكم الفيدرالية
وإلى بعض الدعاوي المقدمة أمام أقضية الدولة الداخلة في الاتحاد.
وفيما يخص صلاحية المحاكم الفيدرالية فإنها تفصل في خصومات تتعلق بتطبيق قانون
اتحادي أو خصومات أطرافها مواطنون من دول مختلفة داخلة في الاتحاد.
( إن التنظيم القضائي الفيدرالي الذي بشمل جميع الولايات المتحدة الأمريكية يتألف من ( 93
وهي تحكم بالدرجة الأولى بالإضافة إلى ( 11 ) محكمة (Cour de District) محكمة تسمى
والمحكمة العليا تؤدي بالنسبة لها دور محكمة نقض أو ،(Cour de Circiut) استئنافية تسمى
تمييز المعروفة في بلادنا إلى جانب دورها في توحيد الاجتهاد، ث م إنَّها قاضي وقائع
وقاضي قانون، لكن المحكمة العليا ليست ملزمة بفحص الخصومات المرفوعة إليها، أما عند
الفحص المختصر للعريضة المقدمة إليها فإن المحكمة تقبل النظر في أساس الدعوى، وتصدر
.( الذي يوقف تنفيذ القرار الصادر سابقًا( 16 ،(Writ of Certiorari) أمر التصدي
إن كل ولاية داخلة في الاتحاد لها نظامها القضائي الخاص بها، وهي مسؤولة عن تطبيق
تشريعاتها الخاصة بها سواء أكان ذلك في المجال المدني أم الجنائي . وعلى أساس الأداة
القضائية في الدول الداخلة في الاتحاد توجد محكمة عليا هي من ناحية مبدئية ذات سيادة
بمعنى أن قراراته ا غير قابلة للطعن بها أمام المحكمة العليا الاتحادية، إلا أن هناك استثنا ء
(16)Chantebout. B. “Droit Constitutionnel et Science Politique", 2ème. éd. Economica. P.
115 et sui.
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
126
مهمًا على هذا المبدأ وهو : أنه عندما تكون المحكمة العليا في إحدى الدول الداخلة في الاتحاد
ملزمة بأن تصدر حكمًا يتعلق بقانون اتحادي، وعلى الأخص التوافق بين قانون دولة داخلة
في الاتحاد والدستور الاتحادي، فإن قرار المحكمة العليا في الدولة الداخلة في الاتحاد يمكن
الطعن به أمام المحكمة العليا الاتحادية وكذلك الأمر بالنسبة للأحكام الصادرة عن محكمة
استئناف اتحادية.
بعد هذا العرض لتركيبة الأداة القضائية في الولايات المتحدة الأمريك ية، ننتقل الآ ن إلى دراسة
تنظيم رقابة الدستورية على القوانين أو ً لا، ثم حكومة القضاة ثانيًا، وذلك في مطلبين متتاليين.
المطلب الأول
تنظيم رقابة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية I
تتطلب دراسة تنظيم رقابة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية منا التصدي لثلاث مسائل
هي: الشروط التي تنشأ فيها رقابة الدستورية على القوانين، ثم الأساليب المستخدمة من قبل
القضاة في رقابة الدستورية هذه، وأخيرًا مدى رقابة الدستورية.
أ. الشروط التي تنشأ فيها رقابة الدستورية على القوانين
إن رقابة الدستورية على القوانين في أمريكة منظمة في الدول الداخلة في الاتحاد، وكذلك في
الدولة الاتحادية، ولها شكلان : أو ً لا، رقابة الدستورية بحصر المعنى، وهي تدور حول
المواجهة بين قانون عادي ودستور داخلي لدولة داخلة في الاتحاد . وثانيًا، ما يسمى بالرقابة
الفيدرالية، وهذه الرقابة تتضمن الرقابة على أحكام محاكم الدولة، هل أنجزت أم لم تنجز
مهمتها بإيقاف قوانين الدول الداخلة في الاتحاد والتي تكون مخالفة للدستور الاتحادي . إن
الرقابة الفيدرالية هذه موكول أمرها إلى المحكمة العليا الاتحادية، وهي الوسيلة القضائية
.( الوحيدة الموجودة من أجل ضمان تفوق الدستور الاتحادي( 17
إن رقابة دستورية القوانين تعود إلى القضاة العاديين، سواء في الدول الداخلة في الاتحاد أو
في الدولة الاتحادية، ويمكن أن تقع بمناسبة أية خصومة سيطبق فيها القانون ناطقون
(17)Hauriou. M. “Précis de droit constitutionnel", 1929. P. 272 et sui.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
127
بدستوريته. وأحيانًا تنعقد الخصومة فقط من أجل الحكم في مسألة عدم دستورية القانون .
ونستنتج من ذلك أن مسألة عدم الدستورية تضاف إلى الدعوى الرئيسية هذا من جهة، ومن
جهة أخرى، فإن القاضي العادي قاضي الدعوى يفصل بها وأنها لا تصل إلى المحكمة العليا
في الدولة الداخلة في الاتحاد أو إلى المحكمة العليا الاتحادية إلا إذا كانت الخصومة الرئيسية
تصل إليها حسب قواعد الصلاحية العادية.
أما من ناحية مدى رقابة الدستورية يجب التمييز بين نموذجين:
- الأول: الرقابة على صلاحية المشرع، أي على أهلية المشرع العادي بمعالجة بعض
المواضيع التي يمتنع عليه معالجتها بنص الدستور (وهذه حالة النزاع بين نصين).
- الثاني: وهي الرقابة على الاتجاهات التشريعية التي تفترض نزاعًا بين روح الدستور
وميوله الفردية وروح التشريع العادي مث ً لا إذا كان ذا اتجاه اجتماعي وتدخلي . وهنا نجد
القاضي يقيم التشريع العادي من حيث الأساس من خلال مفاهيم الخلق الاجتماعي أو العدالة
- الاقتصادية: وهذه الرقابة هي رق ابة عدالة وملاءمة على القانون، إذ إنه حتى عام 1880
1883 ، لم تكن الولايات المتحدة تعرف غير الرقابة على صلاحية المشرع . لكن رقابة
الميول التشريعية كانت قد بدأت تتطور بقوة، من خلال مقاومة الحركة الإصلاحية التي
تدعو لتدخل الدولة من أجل تحقيقها والتي أثارتها الحر كة التصنيعية، وذلك بالإبقاء بحزم
.( على المبادئ الفردية الموجودة في القانون الأنجلو-ساكسوني القديم( 18
في الحقيقة كانت هناك بذور ملائمة للتطور نحو حماية المبادئ الفردية وهي موجودة في
المادة الأولى في القسم العاشر من الدستور الاتحادي التي تمنع الدول الداخلة في الاتحاد عن
Bill of ) " أ ن تصدر قوانين "تضعف الإلزام في العقود" وملحق الدستور "إعلان الحقوق
الذي ينص في نهاية مادته الخامسة لا يجوز "أن يحرم شخص من حياته، أو حريته، ،(rights
.(Due process of Law) أو ملكيته من دون إجراءات قانونية مشروعة
(18) Hauriou. M. op.cit. p. 273 et sui.
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
128
إ ّ لا أن الفقيه لامبير يقول ( 19 ): "إن هذه البذور بقيت غير فاعلة خلال فترة ما قبل الحرب
المدنية ولم تتطور إلا باتصالها مع التعديل الرابع عشر في عام 1868 ، الذي صدر من أجل
ضمان حماية السود".
وإن التطبيقات القضائية قد أخرجت من هذا التعديل "ماقناكارتا جديد ة" من أجل حماية الحرية
الفردية في مواجهة المظاهر التحكمية للسيادة الشعبية، كما فعلت "الماقناكارت ا" الانجليزية
عندما قامت بحمايتهم في مواجهة التحكم الملكي.
والآن بعد أن تم استعراض الشروط التي تنشأ فيها الرقابة على دستورية القوانين، سننتقل
الآن إلى دراسة الأساليب المستخدمة من قبل القضاة في رقابة الدستورية.
ب. الأساليب المستخدمة من قبل القضاة الأمريكان في رقابة الدستورية
بالإمكان تصنيف الأساليب المستخدمة من قبل القضاة الأمريكان في رقابة دستورية القوانين
إلى ثلاثة أصناف هي:
1. التفسير البّناء للقانون:
إن المقصود هنا تفسير القوانين التي قد ص وت عليها المشرع، حيث إ ن هذا التفسير مدفوع في
Common ) اتجاه رد المشرع نحو المبادئ الدستورية وعلى الأخص المبادئ الفردية في ال
ويقول العميد هوريو ( 20 ): "إن هذا التفسير لا يأخذ بالحسبان إرادة المشرع وي ّ شوه .(Law
،(Sherman) القانون من أجل إخضاعه للمبادئ الدستورية ". مثال ذلك ما حصل للقانون
في قسمه السادس وقسمه العشرين. (Clagton) والقانون
2. إعلان عدم دستورية القانون:
عندما يكون القانون المخالف للمبادئ الدستورية لا يمكن رده إليها من خلال تفسير بّناء، فإن
القاضي يقرر إعلان عدم دستوريته.
(19)Lambert. E. op.cit. p. 38 et sui.
(20)Hauriou. M. op.cit. p. 274.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
129
أما فيما يتعلق بآثار ه ذا الإعلان، فإنه من دون شك لا يحصل إلا في حالة معينة، لكنه لا
يبقى محصورًا ضمن إطار قوة القضية المقضية النسبية، إذ إ ن القانون قد أصبح كله دون
فاعلية، فعندما تعلن المحكمة العليا عدم دستورية القانون، فإن هذا الإعلان لا يقيد فقط
الأقضية الخاضعة بل أيضًا الم حكمة العليا نفسها بالنسبة للمستقبل . وعلاوة على ذلك، فإن
سلطات العدالة لدى المحاكم الأمريكية تسمح لها أن توجه أوامر ليس للخاصة فقط بل
.( للموظفين أيضًا، وبذلك تعطل تطبيق القانون أيضًا خارج القضاء( 21
:( وقد لخص العميد هوريو حالات عدم الدستورية بما يلي( 22
وتعني إدانة كل إجراء أو تنظيم قانوني غير مشروع، أي :(Due Process Clause) .1
،(Common Law) غير متوافق مع المبادئ العليا في الدستور، وهي موجودة في ال
وقد ظهرت في عام 1791 مع التعديل الخامس على الدستور ثم في التعديل الرابع عشر
. عام 1868
أي سلب الحرية، وهو يشمل كل اعتداء على الممارسة :(Deprivation of Liberty) .2
الحرة للفعالية الاقتصادية.
أي سلب الملكية، ويؤخذ بمعناه الواسع جدًا. :(Deprivation of Property) .3
ويعني تدخل المشرع في مجال العقود، :(Impairing the Obligation of Contracts) .4
بحيث يغير آثارها.
وفي هذه الحالات الأربع ل تجاوز المشرع لسلطاته، فإن القاضي الأمريكي يتوقف تارة لينظر
في الصفة غير المعقولة للوسائل التشريعية وتارة لعدم ملاءمتها.
وهي آراء رسمية تطلب من المحاكم من قبل المشرع نفسه :(Advisory Opinions) .5
بقصد تسجيل القانون الذي يعده نهائيًا، أو بخصوص الأحكام الإعلانية أيضًا، وهو
إجراء مانع من قبل الطالب، حيث يطلب من القاضي حكمًا بخصوص حقوقه حسب
التشريع المشتبه فيه، وذلك من خلال نوع من التحكيم القضائي قبل كل خصومه.
(21)Lambert. E. op.cit. p. 36.
(22)Hauriou. M. op.cit. p. 275. Voy aussi. Burdeau. G. “Manuel de droit constitutionnel et
lnstitutions politiques” 20 ème. éd. L.G.D.J. 1984. Pp. 106-112.
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
130
أما وقد انتهينا من تتبع الأساليب المستخدمة من قبل القضاة الأمريكان في رقابة دستورية
القوانين، فإننا ننتقل إلى دراسة مدى هذه الرقابة في الفقرة التالية.
ج. مدى رقابة الدستورية:
إن رقابة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية تمتد لتشمل جميع القوانين، وقد أدت
بالقضاء لإبقاء المشرع في المجال المحدد بالدستور، وهذا المجال محدد ليس فقط بنصوص
الدستور بل أيضًا بالمب ادئ الفردية التي يتضمنه ا. فقد منِ عتْ الدولة عن التدخل في مجال عقود
العمل، كالتشريع الذي هدفه منع رب العمل أن يفرض شروطه على العمال، حيث نجد
المحاكم المدنية قد أخذت على عاتقها مقاومته اعتبارًا من عام 1880 تحت شعار صيانة المبدأ
.( القديم القائل بحرية العقود( 23
إ ّ لا أن رقابة الدستورية لم تقتصر على قوانين المشرع، بل امتدت لتشمل التعديلات على
الدستور. إذ إ ن القاضي الأمريكي يضع نفسه فوق الدستور ويحكم عليه، لأنه بالنسبة له،
يوجد فوق الدستور مجموعة من المبادئ العليا ألا وهي القانون الطبيعي، الذي يشكل الشرعية
الدستورية التي يجب على الدستور المكتوب نفسه أن يخضع له ا. إن الدستور الأصلي يعد
متوافقًا مع هذه الشرعية لكن إذا جاءت تعديلات وابتعدت عنها فيما بعد فيجب إعلان عدم
دستوريتها. على أن هذا الادعاء لم ينجح كلية أمام المحكمة الاتحادية العليا، كما أنه في الوقت
نفسه لم يج رم، وعلى كل حال، هناك سابقة هي التعديل الرابع عشر، الفصل الخامس، الذي
أُبطل من خلال الإجراء المسمى بالتفسير البّناء، وقد جاء في هذا النص ما يلي : "للكونغرس
السلطة لضمان تنفيذ نصوص هذه المادة بقوانين يرى أنها مناسبة "( 24 ). كما كانت هناك
محاولة أخرى في عام 1920 من جانب صانعي الخمور، للحصول على إعلان بعدم دستورية
التعديل الثامن عشر المتعلق بتحريم الخمور، وقد فشلت.
(23)Lambert. E. op.cit. p. 69.
(24)Hauriou. M. op.cit. p. 277.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
131
باستخراج هذه الخصائص، نجد أنه ليس من الغريب أن الوضع كما اختط في الولايات
المتحدة الأمريكية قد وصِ َ ف بحكومة القضا ة. دون شك، أن المشرع الأمريكي ك ان قد
حوصر من قبل القاضي المدني، فالإصلاحات الاجتماعية قد توقفت، أو على الأقل قد
تأخرت، ولا يمكن إنجازها إلا بأساليب مخالفة للقانون، مث ً لا الأساليب الضريبية.
ويعل ّ ق على ذلك العميد هوريو قائ ً لا( 25 ): "لقد كان بالإمكان القول : إ ن التشريع قد أُفشِلَ من قبل
تسعة قض اة لا يمكن عزلهم وغير مسؤولين أو حتى من قبل أغلبية التسع قض اة. وهذا الوضع
لم يتم من دون إثارة غضب سياسي عنيف، فقد اقترح الراديكاليون، مع ذلك دون أن ينجحوا،
لأولئك (Recall) عدة أنواع من أسلحة القتال، مثل العزل من قبل الشعب أو العزل الفردي
القضاة الذين تمت تسميتهم بالانتخاب أو أيضًا اللجوء إلى الشعب في مواجهة الأحكام بعدم
الدستورية". لكن غالبية الشعب الكبرى كانت متمسكة جدًا يتفوق السلطة القضائية التي تضمن
له تحديد سلطة المشرع وكذلك حرياته.
بعد أن درسنا تنظيم رقابة الدستورية في أمريكة، سنرى كيف أن السلطات المجاوزة لحدود
التنازع قد أفسدت رقابة الدستورية وحولتها إلى حكومة قضاة.
المطلب الثاني
( حكومة القضاة في الولايات المتحدة الأمريكية( 26 II
لا يخفى الأمر بأن رقابة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية قد تجاوزت حدود النزاع
القضائي وتجاوزت المجال السياسي.
(25)Ibid.
(26)Pinto. R. “Des Juges qui ne gouvernent pas", 1934; Hauriou. M. op.cit., pp. 277-278;
Chantebout. B. op .cit., p. 58 et sui.
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
132
في الحقيقية إ ن المحاكم لا تتم مراجعتها بمسألة الدستورية إلا بمناسبة دعوى لكن:
،(Arrêts de règlement) -1ْ الأحكام التي تصدرها هذه المحاكم لها قيمة أحكام حسم
والمحاكم تلتزم باجتهادها الخاص بها، بحيث يصبح هذا الاجتهاد قانونًا، وهذه المحاكم
لها سلطات عدالة، أي سلطات بوليس، بحيث تسمح لها بإلزام الموظفين العموميين
برفض تطبيق القانون.
-2ْ وتقوم المحاكم بتفسير بّناء وجرئ للقوانين لدرجة أنه يؤدي إلى تقوية القانون
وتصحيحه.
.(Procès de Tendances) -3ْ وتقيم المحاكم على المشرع دعاوي على الميول
-4ْ وتوقف المحاكم المش رع والتشريع عندما يتقدم باستشارات رسمية لها قبل أن يصنع
.(Adivsory Opinions) قانونه
كل ذلك يتجاوز دور القاضي الذي يقتصر على تطبيق القوانين في الدعوى.
يرتد هذا التضخم الزائد في سلطة القضاء المدني الأمريكي إلى أن البلدان الأنجلوسكسونية
بشكل عام وبقيت أمريك ا بشكل خاص على نظامها القديم أي أن القاضي لم يج رد من سلطات
البوليس القديمة على الرغم من إنشاء نظام إداري . وعلاوة على ذلك وبسبب بقاء العرف،
بإمكاننا القول : إ ن القانون الأمريكي من صناعة القاضي . وهو كذلك في الجزء العرفي منه،
هو الأساس العرفي لمبادئ القانون العامة . (Common-Law) لأنه يجب أن لا ننسى أن ال
لأن القضاة الأمريكان .(Statute-Law) وكذلك الأمر في جزئه القانوني فيما يخص ال
بالحماس المعروف لديهم يتعاملون مع القانون المكتوب بالحرية نفسها التي يتعاملون بها مع
العرف، ويفسرونه من خلال المبادئ العرفية . وعليه نجد القانون المكتوب لا ي د عم من سلطة
تنفيذية تستند إلى نظام إداري، كما أنه لم يدعم بالتدوين، بالإضافة إلى أنه يكتسح ويلتهم
بسرعة من خلال التفسير البّناء.
بسبب (Lambert) إن وضع يد القاضي على القانون قد تشدد أيضًا، كما لاحظ الفقيه لامبير
أسلوب تدريس القانون في الجامعات الذي يقتصر على الاجتهاد فقط . ولهذا فإن الطلاب،
قضاه المستقبل لا يتعاملون إلا مع الاجتهاد.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
133
أما فيما يخص المحكمة الاتحادية العليا، كما سبق القول تتضمن تسعة أعضاء يسمون مدى
الحياة من قبل رئيس الدولة الاتحادية بموافقة مجلس الشيوخ . ول ما كا نت وظائف أعضاء هذه
المحكمة طويلة، فإن ذلك يضمن لهم استقلا ً لا كبير ًا. وبالمقابل، فإنه يسهم في الإبقاء على جو
قانوني محافظ بسبب عمر أعضاء المحكمة، إلا أن المحكمة الاتحادية العليا كبقية المؤسسات
الأمريكية تعمل تحت رقابة الرأي العام، وهذا يؤدي إلى أن تأخذ المحك مة بالحسبان التطورات
الضرورية، وأن تؤقلم اجتهادها تبعًا لتطورات الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولهذا السبب
أيضًا قد تم نقد بعض أحكامه ا. في الحقيقية إ ن المحكمة الاتحادية العليا تتمتع لدى الأمريكيين
برصيد يجعل منها فرعًا من الحكومة.
وأخيرًا، إن رقابة الدس تورية على القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية ليس لها إلا أصل
في عام 1803 ، الذي قد أسس (Marshall) اجتهادي، إذ كان قد أكدها القاضي مارشال
قراره على تفوق الدستور والدور الذي يقع على عاتق القاضي بتغليب القاعدة القانونية
.( العليا( 27
وبهذا نكون قد انتهينا من دراسة الوضع في أمريكة، كي ننتقل لنعالج موضوعنا الأساسي
وهو دراسة الوضع في المملكة الأردنية الهاشمية، لنرى هل كان المجلس العالي لتفسير
الدستور يجمع خصائص المحكمة الدستورية.
المبحث الثالث
رقابة الدستورية على القوانين في المملكة الأردنية الهاشمية
يتلخص الوضع في المملكة الأردنية الهاشمية معقد جدًا، حيث إ ن الرقابة على دستورية
القوانين تمارسها المحاكم النظامية المدنية ومحكمة العدل العليا وكذلك المجلس العالي لتفسير
الدستور. ولهذا من أجل الإجابة عن تساؤلنا هل كان المجلس العالي لتفسير الدستور محكمة
دستورية أم لا، وجب علينا بحث رقابة الدستورية في قضاء المحاكم النظامية المدنية أو ً لا، ثم
(27)Lambert. J; R. D. P. 1931. Pp. 5 et sui .
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
134
في اجتهاد محكمة العدل العليا الأردنية قبل أن نعرض للمجلس العالي لتفسير الدستور في
مطلب ثالث.
المطلب الأول
رقابة الدستورية على القوانين في اجتهاد المحاكم المدنية I
لقد جاء دستور عام 1952 المطبق حاليًا خلوًا من أي نص يسمح للمحاكم النظامية المدنية
بالرقابة على دستورية القوانين، كما أنه لم يمنع هذا الحق، وكذلك هو الأمر بالنسبة للدساتير
السابقة.
ولقد حاول المحامون إقناع المحاكم بأن تعطي لنفسها هذا الحق والامتناع عن تطبيق القوانين
غير الد ستورية أي التي تتعارض مع أحكام الدستور، ذلك لأن الامتناع عن تطبيق القانون
غير الدستوري يدخل في صميم عمل القاضي، من أجل إعلاء شأن الدستور الذي هو القاعدة
الأسمى في الدولة.
وبعد تردد طويل قررت محكمة التمييز الأردنية أن للمحاكم صلاحية التحقق من دستورية
28 ). ومع أن )58/ القوانين المطلوب تطبيقها على النزاع المعروض، وذلك في القضية رقم 74
المسألة تتعلق بعدم دستورية مادة في نظام الموظفين إلا أنه يفهم من منطوق الحكم الإقرار
بحق المحاكم النظامية المدنية أن تراقب دستورية القوانين إذا ما أثير الدفع بعدم دستورية نص
قانوني، إذ جاء فيه : "وبعد التدقيق نجد أن الدستور الذي هو المصدر القانوني لسلطات الدولة
قد وزع الاختصاصات التشريعية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأوجب أن يكون تنظيم
بعض المسائل (بقانون) يصدر عن السلطة التشريعية، وبعضهم الآخر (بنظام) يصدر عن
السلطة التنفيذية.
ومن ذلك ما نصت عليه المادة ( 100 ) من أن تنظيم المسائل المتعلقة بتعيين درجات المحاكم
واختصاصاتها، لا يكون إلا بقانون من السلطة التشريعية، وما نصت عليه المادة 120 من أن
28 ) الحياري عادل، "القانون الدستوري والنظام الدستوري الأردني "، دراسة مقارنة، طبعة أولى )
.340- 1972 ، ص 297
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
135
تنظيم المسائل المتعلقة بتعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم يكون
من السلطة التنفيذية.
ولهذا أوجب على كل سلطة أن تمارس حق التشريع في الحدود المعينة لها من غير افتئات
على الاختصاصات التشريعية للسلطة الأخرى، فإذا خرجت على هذا المبدأ وتناولت بالتشريع
موضوعات يعود حق التشريع فيها إلى السلطة الأخرى فإن تشريعها يكون مخالفًا للدستور".
29 )، نجد أن محكمة التمييز تفترض دون أن تقول صراحة، أن من )67/ وفي القضية رقم 12
حقها بسط رقابتها على دستورية القوانين، إذ جاء فيه ا: "أما قول المميز أن ما ورد بالقانون
المذكور من حيث إنَّاطة حق الفصل بالنزاع بمجلس السلطة بصورة قطعية يخالف الدستور،
فقول لا يس تند إلى أساس صحيح . ذلك لأن النصوص المتعلقة بهذه المسألة لا تخالف أحكام
الدستور، إذ إ ن المادة ( 102 ) من الدستور قد نصت على أن المحاكم النظامية تمارس حق
القضاء على الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية بما فيها الدعاوي التي تقيمها
الحكومة أو تقام عليها، باستثناء المواد التي قد يفوض فيها حق القضاء إلى محاكم دينية أو
محاكم خاصة بموجب أحكام هذا الدستور أو أي تشريع آخر نافذ المفعول.
وحيث إ ن قانون قناة الغور الشرقية الذي هو تشريع خاص قد أناط صلاحية تسوية الحقوق
المنصوص عليها في الفقرة التاسعة بمجلس السلطة الذ ي يعد في هذه المادة بمنزلة محكمة
خاصة، فإن المحاكم النظامية لا تملك حق القضاء في هذه الحقوق، لأنها من المواد المستثناة
التي فوض فيها حق القضاء إلى محكمة خاصة طبقًا لنص المادة ( 102 ) من الدستور ". إذ في
هذه القضية كان المميز قد طعن بعدم دستورية المادة ( 2) فقرة ( 9) (د) من قانون قناة الغور
الشرقية قائ ً لا: إّنها متعارضة مع نص المادة ( 102 ) من الدستور الأردني.
مما تقدم يتضح أن محكمة التمييز قد أخذت بمبدأ رقابة الدستورية على القوانين . ويقول
الدكتور عادل الحياري في كتابه "القانون الدستور والنظام الدستوري الأردني : "غير أننا لم
نعثر على قرار إيجابي واحد يتعلق بحل مشكلة الدستورية وصادر من غير محكمة التمييز "
ويضيف قائ ً لا: "… فكل الأحكام التي وقعت تحت أيدينا تقول بعدم صلاحية المحاكم النظامية
. 29 ) انظر مجلة نقابة المحامين الأردنيين، سنة 15 ، عدد 10 ، ص 1094 )
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
136
بالرقابة على القوانين "، ثم يتساءل هذا الفقيه عن سبب التخوف من جانب المحاكم بمختلف
.(30) درجاتها ما دامت محكمة التمييز قد استقرت على الأخذ بهذا المبدأ منذ سنة 1959
واستجابة لنداء الدكتور عادل الحياري قد صدر عن أدنى محكمة نظامية وهي محكمة صلح
الجزاء قرارًا جريئًا يعلن عدم دستورية نص في قانون العقوبات لتعارضه مع الدستور
الأردني وقد استقر هذا الحكم بعدم الطعن فيه استئنافًا، مشك ً لا سابقة لا مثيل لها.
وقد جاء في هذا القرار : "وبالتدقيق في أوراق هذه الدعوى والبيانات المقدمة وهي الضبط
1999/6/ المنظم بحق المشتكى عليهم تجد المحكمة أن وقائعها تتلخص بأنه وبتاريخ 27
جرى تنظيم ضبط من قبل رجال الأمن بحق المشتكى عليهم وذلك نتيجة وجودهم في ظروف
ومكان يوجب الشبهة إثر ورود معلومات لرجال الأمن تفيد أن هناك شخصًا مطلوبًا للأمن
بقضايا سرقات وأن المشتكى عليهم قاموا بالتستر عليه وتمكينه من الفرار.
وبتطبيق القانون على وقائع الدعوى تجد المحكمة أن المادة ( 389 ) من قا نون العقوبات قد
تضمنت ما يلي (كل من وجد متجو ً لا في أي ملك أو على مقربة منه أو في أي طريق أو
شارع عام أو في مكان محاذ لهما أو في محل عام آخر في وقت وظروف يستنتج منها بأنه
موجود لغاية غير مشروعة أو غير لائقة يعاقب في المرة الأولى بالحبس مدة لا تزيد على
ثلاثة أشهر).
وبالرجوع إلى المادة ( 7) من الدستور الأردني التي نصت على ما يلي : "الحرية الشخصية
مصونة"، وحيث تشمل الحرية الشخصية حرية الذات والتي تمكن الشخص من حرية
التصرف في شؤون نفسه والمحافظة على كرامته ووجوده والاعتراف بحقوقه الإنسانية
الثابتة، كما أنها تشمل ح رية التنقل المتمثلة بقدرة الشخص على التنقل داخل أقاليم بلاده بحرية
ويسر. فإن المحكمة تجد أن الفقرة ( 5) من المادة ( 389 ) من قانون العقوبات بالصيغة الواردة
فيها إنما تحد من الحرية الشخصية للشخص وتعيق تنقله وتعرضه للملاحقة والمساءلة لمجرد
الاشتباه بأن وجوده في أي ملك أو محل عام كان بغاية غير مشروعة أو غير لائقة مما تجبر
ذلك الشخص بالإفصاح عن سبب وجوده في أي ملك أو محل عام أو تنقله في أي طريق أو
. 30 ) الحياري عادل، المشار إليه في الملاحظ 28 ، ص 305 )
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
137
شارع عام تجنبًا لملاحقته فيما لو اشتبه بأمره في أثناء وجوده أو تنقله بالأماكن المشار إليها
في المادة المذكورة.
مما ت قدم يتضح للمحكمة أن الفقرة الخامسة من المادة ( 389 ) من قانون العقوبات بالصيغة
الواردة فيها تخالف المادة ( 7) من دستور المملكة الأردنية الهاشمية.
ولما كان البحث في دستورية القانون هو من النظام العام فإن المحكمة أثارته ولو من تلقاء
نفسها ذلك أن تطبيق القاعدة ا لقانونية الأعلى تعارضها مع قاعدة أخرى تدنوها مرتبة يدخل
ضمن اختصاص المحكمة على اعتبار أن المادة ( 103 ) من الدستور الأردني قد أوجبت على
المحاكم أن تمارس اختصاصها في القضاء الحقوقي والجزائي وفق أحكام القوانين النافذة
المعمول به في المملكة.
وحيث إ ن الدستور هو أعلى القوانين وأسماها وسيادة القانون تقتضي ضمان سيادة الدستور
فإن المحكمة تجد أن أحكام الدستور هي الواجبة التطبيق عند تعارضها مع القوانين العادية.
لهذا وحيث إ ن المادة ( 7) من الدستور الأردني قد تضمنت أن الحرية الشخصية مصونة
وحيث إ ن تلك العبارة قد وردت بصيغة الإطلاق دون أي استثناء فإن أي قاعدة قانونية تعيق
الحرية الشخصية أو تحد منها تعد غير دستورية.
لكل ما تقدم فإن المحكمة تجد أن الفقرة الخامسة من المادة ( 389 ) من قانون العقوبات
تتعارض مع المادة ( 7) من دستور المملكة الأردنية الهاشمية فإنه يجب الامتناع عن تطبيقها.
( واستنادًا إلى ما تقدم وحيث تجد المحكمة أ ن لا مجال لتطبيق الفقرة الخامسة من المادة ( 389
من قانون العقوبات فتقرر المحكمة وعم ً لا بالمادة ( 178 ) من قانون أصول المحاكمات
.( الجزائية عدم مسؤولية المشتكى عليهم عما أسند لكل منهم( 31
يلاحظ أن هذا القرار الجريء يثير نقاطًا قانونية مهمة يجب إبرازها، فهو يعلن:
أو ً لا: أن مسألة دستورية القوانين هي من النظام العام، وهذا يعني أن للقاضي الحق بإثارة
الدفع بعدم الدستورية من تلقاء نفسه حتى لو لم يطلب الفرقاء ذلك منه، ومن ثَم يقارن نص
99 غير منشور. / 31 ) حكم محكمة صلح جزاء عمان رقم 7658 )
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
138
القانون المشبوه بعدم الدستورية بالدستور، وإن رأى ذلك فإن نص القانون يكون باط ً لا
لمخالفته للنظام العام، وهذا ما رأته محكمة صلح جزاء عمان بصدد الفقرة ( 5) من المادة
389 ) من قانون العقوبات . وقد استندت في ذلك المحكمة إلى نص المادة ( 103 ) من الدستور )
الأردني التي أوجبت على المحاكم أن تمارس اختص اصاتها في القضاء الحقوقي والجزائي
وفق أحكام القوانين النافذة المعمول به في المملكة الأردنية الهاشمية، ثم استندت بعد ذلك إلى
سمو الدستور وإلى أن سيادة القانون تقضي ضمان سيادة الدستور.
ثانيًا: إن المادة ( 7) من الدستور التي تنص على الحرية الشخصية قد جاءت مطل قة من كل
قيد وذلك بعكس مواد أخرى من الدستور مثل م / 9 فقرة 2، م / 10 ، م / 11 ، م / 12 ، م / 15 فقرة
2 وفقرة 3 وغير ذلك من المواد التي تقبل بوضع قيود من خلال القانون على الحريات التي
تتحدث عنها.
فالحرية الشخصية هي أحد الحقوق المدنية المعترف بها للإنسان وهي سامية وعالمية توجد
قبل كل تنظيم سياسي كما تسمو عليه وهي لجميع الأشخاص ( 32 )، وهي مجردة، فهي للإنسان
ولا يمكن أن تشير إلى وضع خاص، وإنما تشير إلى مبدأ عالمي . وأخيرًا تتميز الحرية
الشخصية بأنها فردية وبأن على المجتمع السياسي ضمان صيانة الحقوق الطبيعية للإنسان
التي لا يجوز التنازل عنه ا. والحالة هذه وما دام الدستور قد ضمنها فإن المشرع لا يستطيع
تقييدها بل تنظيم ممارستها، هذا إلى جانب أن الفقرة ( 5) من المادة ( 389 ) هي مادة من مواد
الضابطة التشريعية وهذه الضابطة تتميز بأنها مقيدة وليست تقديرية.
ثالثًا: وأخيرًا فإن حكم محكمة صلح الجزاء يتحدث عن الجزاء على عدم الدستورية، فهو
يتحدد في الامتناع عن تطبيق القانون الذي يثبت عدم دستوريته، دون أن تلغيه، لأن إمكانية
إلغاء القانون من قبل المحكمة، تحتاج إلى وجود نص عليها، ونظرًا لأ ن الدستور الأردني لا
ينص على ذلك، فإن الجزاء الوحيد الذي يمك ن للمحاكم أن تتخذه هو الامتناع عن تطبيق
القانون غير الدستوري، وهذا ما فعلته المحكمة.
(32)Laffont. R & Archimbaud. M. "Le Livre des droits de L'homme”, éd. Robert Laffont,
Paris 1985. P. 79 et sui.
مجلة جامعة دمشق – المجلد 19 - العدد الثاني- 2003 نفيس صالح
مدانات
139
في الحقيقية إ ن الحماية العامة لحرية الأفراد تتضمن بعض الحقوق التي تضمن إلى جانب
الأمن، ضمانة حريات الأشخاص الطبيعيين . وضمن إطار هذه الحماية الخاصة يصنف من
ناحية تقليدية:
- التصرف الحر، لكل شخص بجسده ( الحق في السلامة الجسدية، حق الإنسان بالتصرف
بجثته مث ً لا).
- حرية الذهاب والإياب أي حرية التنقل . فهي غير قابلة بالنسبة للمواطن الذي يتنقل إلى
إقليم الدولة لأي قيد من جانب الإدارة (فيما عدا حالة ضرورات حركة السير طبعًا).
هذا وقد تأكد هذا الاتجاه لدى محكمة صلح جزاء عمان بحكم جديد يحمل الرقم
2000 وقرابة الساعة /5/ 33 )، وتتلخص وقائع هذه القضية أنه وبتاريخ 24 )2000/4908
الثانية عشرة والنصف وفي أثناء قيام الموقعين على الضبط في الوظيفة بالمدينة الرياضية
مقابل صرح الشهيد، تم الاشتباه بشخصين و لدى إيقافهم تبين أنهما (ع.ع) مواليد 1970 وهو
مطلوب لمركز الهاشمي ومن أصحاب السوابق بقضايا مقاومة رجال الأمن وهتك العرض
والظروف والإيذاء، والآخر يدعى (ف.ج) ولدى تدقيق اسمه تبين أنه يحمل القيد 17575
بقضايا الإيذاء والسكر والظروف وحمل سلاح جارح وجرى الاشتباه بهما وألقت الشرطة
القبض عليهما.
ويلاحظ من هذا الحكم الجديد هو صورة طبق الأصل عن الحكم السابق الذي يحمل الرقم
99/7658 فهو يذكر المادة ( 389 /فقرة 5) من قانون العقوبات ويذكر نصها، ثم يذكر المادة
7) من الدستور ويصل إلى النتيجة بأن الفقرة ( 5) من المادة ( 389 /عقوبات) تحد من الحرية )
الشخصية للشخص وأنها تجبر ذلك الشخص بالإفصاح عن سبب وجوده تجنبًا لملاحقته فيما
لو اشتبه بأمره في أثناء وجوده أو تنقله في أي ملك أو محل عام أو تنقله في أي طريق أو
شارع عام، ولهذا فهي تخالف المادة ( 7) من الدستور.
33 ) حكم لمحكمة صلح جزاء عمان (غير منشور). )
المجلس العالي لتفسير الدستور هل هو محكمة دستورية؟
140
ثم ينتقل الحكم للبحث في مس ألة الدستورية وأنها من النظام العام وأن للمحكمة إثارتها من
تلقاء نفسها وأن على المحكمة أن تطبق القاعدة القانونية الأعلى عند التعارض مع قاعدة
أخرى تدنوها مرتبة، حيث إ ن المادة ( 103 ) من الدستور الأردني قد أوجبت على المحاكم أن
تمارس اختصاصها في القضاء الحقوقي والجزائي وفق أحكام القوانين النافذة المفعول في
المملكة، ثم تجد المحكمة أن الدستور هو أعلى القوانين وأسماها وأن سيادة القانون تقضي
ضمان سيادة الدستور ومن ثَم فإن أحكام الدستور هي الواجبة التطبيق.
كما نرى أن محكمة صلح جزاء عمان تختم قرارها قائلة : "إنَّها تستند إلى قرار هيئة غير هذه
99 وتعلن عدم مسؤولية المشتكى عليهما / المحكمة"، فهي تشير إلى الحكم السابق رقم 7658
عما أُسند إليهما.
إلا أن هذا الحكم الأخير لم يستقر كالحكم الأول، إذ إ ن مدعي عام عمان كان قد استأنفه أمام
محكمة الاس