بدأ دور المرأة في الجهاد في نفس الوقت الذي بدأ فيه دور الرجل ، بل إن دور المرأة الفعلي سابق له ، فأول من استشهد في سبيل الله كان امرأة هي السيدة سيمة زوج
ياسر ، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أولى الفدائيات التي أمن وصول الطعام إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصحابه أبي بكر الصديق ، كما أنها تلقت
الأذى من أبي جهل في سبيل كتمان خبرهما .
فإن الدين الإسلامي طلب من المرأة الدفاع عن وطنها ، وأرضها ، وشعبها ، كما طلب ذلك من الرجل ، وقد أقر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) مشاركة النساء في الجهاد
والغزوات ، بل غزت المرأة مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كأم سليم بن ملحان ، وأم حرام بنت ملحان ، وأم الحارث الأنصارية ، والربيع بنت معوذ عفراء ، وأم
سنان الأسلمية ، وأم سليط ، ليلى الغفارية ، كعيبة بنت سعيد الأسلمية ، وحمنة بنت جحش ، ورفيدة الأنصارية ، وأم زياد الأشجعية .
1- أم سليم بنت ملحان الأنصارية :
الغميصاء (1) ، ويقال : الرميصاء ، ويقال : سهلة ، ويقال : أنيفة ، ويقال : رميثة ، بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار
الأنصارية الخزرجية ، أم خادم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أنس بن مالك .
مات زوجها مالك بن النض ، ثم تزوجها أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري ، فولدت له أبا عمير ، وعبد الله ، شهدت أحد وأبلت فيها بلاء حسنًا ، وشهدت حنيناً مع رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) ومعها خنجر فقال أبو طلحة : يا رسول الله ، هذه أم سليم ، معها خنجر . فقالت : يا رسول الله ، أتخذه إذا دنا مني أحد من المشركين
بقرت به بطنه فتبسم رسول الله( صلى الله عليه وسلم ) (2) .
2- أم حرام بن ملحان :
أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، الأنصارية ، النجارية ، المدنية ، أخت أم سليم ، وخالة أنس بن مالك ، وزوجة
عبادة بن الصامت ، حديثها في جميع الدواوين سوى جامع أبي عيسى، كانت من علية النساء ، حدث عنها أنس بن مالك وغيره .
قال في بيتها يوما فاستيقظ وهو يضحك فقلت يا رسول الله ما أضحكك ؟ قال : عرض علي ناس من أمتي يركبون ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة, قلت : يا رسول الله، ادع
الله أن يجعلني منهم. قال : أنت من الأولين. فتزوجها عبادة بن الصامت، فغزا بها في البحر، فحملها معه، فلما رجعوا، قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فدقت عنقها
فماتت رضي الله عنها، قلت يقال هذه غزوة قبرس في خلافة عثمان رضي الله عنه (3) . فنالت الشهادة وغزت في سبيل الله رضي الله عنها.
3- الربيع بنت معوذ :
هي الربيع بنت معوذبن عفراء الأنصارية ، من بني النجار ، . . . وقد زارها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) صبيحة عرسها ؛ صلة لرحمها ، عمرت دهرًا وروت أحاديث ،
حدث عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وعبادة ابن الوليد بن عبادة ، وعمرو بن شعيب ، وخالد بن ذكوان ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ، وآخرون .
وأبوها من كبار البدريين ، قتل أبا جهل ، توفيت في خلافة عبد الملك سنة بضع وسبعين رضي الله عنها (4) .
بايعت النبي وهي من الصحابيات الجليلات وجاهدت مع المجاهدين ، وخطبها إياس بن البكير الليثي ، ثم خرج هو وأخواه ، وبعد بدر تزوجت الربيع من إياس فجاء النبي (
صلى الله عليه وسلم ) فدخل عليها غداة بنى بها . فجملت جويرات لها يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائها يوم بدر ، شهدت الربيع أحداً مع أم عمارة وعائشة رضي
الله عنهن .
4- أم سنان الأسلمية :
صحابية جليلة ، روت عن النبيّ ( صلى الله عليه وسلم ) ، وروى عنها ابن عباس ، وروت عنها ابنتها ثُبيتة بنت حنظلة الأسلميَّة .
كانت من الصحابيات المجاهدات ، حيث تتصف بالشجاعة والهمة العالية . أتت رسولَ الله ( صلى الله عليه وسلم ) عندما أراد التوجّه إلى خيبر ، وقالت له : يا رسول
الله ، اُحبُّ أن أخرج معك ، أخرز السقاء ، واُداوي الجرحى ، وأنصر المجاهدين ، واحفظ لهم أمتعتهم ، وأسقي عطشاهم ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم )
لها : « تعالي معنا وكوني مع اُم سلمة » ، حيث كانت أكثر أوقاتها معه ( صلى الله عليه وسلم ) (5) .
5- ليلى الغفارية :
وهي صحابية جليلة من فضيلات الصحابيات ، كانت تغزو مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) (6) ، قالت : كنت أغزو مع النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فأداوي الجرحى
وأقوم على المرضى فلما خرج علي إلى البصرة خرجت معه (7) . وتوفيت سنة 40 هـ رضي الله عنها .
6- كعيبة بنت سعيد الأسلمية :
من كريمات النساء ، وفضيلات الصاحبيات المجاهدات ، شهدت خيبر مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فأسهم لها سهم رجل فيما رواه الواقدي (8) .
7- رفيدة الأنصارية :
قال عنها ابن حجر : « رفيدة الأنصارية ، أو الأسلمية ، ذكرها ابن إسحاق في قصة سعد بن معاذ لما أصابه بالخندق ، فقال : رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : "
اجعلوه في خيمة رفيدة التي في المسجد حتى أعوده من قريب " ، وكانت امرأة تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على رحمة من كانت به ضيعة من المسلمين(9) .
وظلت المرأة منذ العهد الأول تشارك في الحروب ، وتقوم بدورها في حماية الأمة الإسلامية والدفاع عن الحق والأوطان ، وقد تطورت تطلعات المرأة إلى أن وصل إلى قيادة
الجيش المسلم الذي يقاتل في سبيل الله ، ونذكر من ذلك هذه المرأة التي قادت جيشًا مسلمًا .
قائدة الجيش تركان خاتون :
هي تركان خاتون بنت طغراج الملكة الجلالية صاحبة أصبهان ، زوجة السلطان ملكشاه ، وهي سيدة جليلة من ربات العقل والرأي والدين والصلاح والنفوذ والسلطان ، من نسل
أفراسياب ملك الفرس ، شاركت زوجها في الملك ، وبعد وفاته دبرت الأمور فاتخذت المستشارين والوزراء ، وقادت الجيوش ، وحفظت أموال التجار ، وأثرت تأثيرًا عظيمًا
في بلاد فارس ، فأصحلت كثيرًا من عادات البلاد وأخلاق أهلها ، فبذلت لهم العطايا والإقطاعات ، فأحبتها الأمراء والرعية ، وصاهرت الخليفة العباسي المقتدي بأمر
الله حيث تزوج بابنتها ، وماتت رحمها الله سنة 487 هـ (10) .
ما ذكر قليل من كثير من إسهامات المرأة في الحروب والجيوش المسلمة ، ولكنه يعد سابقة حضارية على الاعتراف بدور المرأة في كل نواحي الحياة ، بل يعد أمرًا فريدًا
لم يحققه الغرب بعدُ الذي يتغنى بالحريات والديمقراطية .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم