وكأننا وكأنهم
أيقظتْني الأماني وقالت: لا تُعِاَفري الدنيا إنْ لم يأتِ إليكِ قدَرُك، ولا تجادلي الأيام إن لم يتحقَّق فيها حُلمُك، قدرُك رزْقٌ من الرزَّاق، وحُلمُك إن لم تسْعَيْ إليه؛ فهو قصرٌ جدرانه خُيَلاء ووهْم وسراب.
قلت: وهل تأمريني بالصَّمْت؟ وما أرخى علينا الصمت إلاَّ الشتات والضياع، تآمرَتْ
علينا الأطماع، تتوالى تكتم صرخات الأوجاع، أطماع تنثر بهتانًا، وصروح
جدالٍ وصراع، قلاع ظلم، وشرور علْم، وفساد منطق، اشتهى سحقنا، مكْرٌ كثير
وخِدَاع.
وكأننا وكأنَّهم! حتَّى عيَّرونا بالصمود؛ أقاموا السدود، وَخزُوا بقسْوةٍ جراحَنا، وأبدعوا فنَّ القيود
ألسْنا جميعًا سكَّانَ الأرض؟! ألسنا جميعًا مِن الإنس؟!
أم
أنَّ الفناء عليها لنا، ولهم فيها كان الخلود؟! لماذا يقتلوننا ولا يرضون
منَّا الدفاع؟ لماذا يخشون حريتنا؟ ويشيِّدون حصونهم ويَنصبون القلاع؟
يسيطرون وكأنَّهم يجلبون الرزق لنا! وهم في خُبْث يسلبون قُوَّتنا وعزَّنا.
وكأننا وكأنهم! كيف وربِّي يقول: ﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ
﴾ [الحجر: 20]، والله إنهم لغَاوون، وجلست أنْعَى لحظة الأمان وحسْن
المتَاع، أشتاق إلى مرَح طفلي، وابتسامة أخي، وخير داري الذي ضاع، تخلَّفْنا
عن الوَحْدة؛ فتخلَّفَت عنا الحكمة، صرْنا أبواقًا تهجو وتجادل، ومِثْلهم
برَعْنَا لكنْ في وخْز عروبتنا، ها قد تمكَّن منَّا وحْش الصِّراع، جهْل
وفحْش ونفاق، وقطيعة رحِم ووداع.
يا لوعتي على الحرية! أفتش عنها في أنين قلَم، وبكاء طفل، وهوان رَجُل، ونشيد لَحن مفقود، أتساءل:
وهل بنُواحِنا تُوقظ البشرية؟
وكأننا وكأنهم!
يتسلحون بالدَّمار ويحيطوننا به، يتوعَّدون فتَات الرَّدع، ويغتالون
بمِقْصلة الإصلاح كذبًا حرِّياتنا، دَعُوا شرقي وشأْنَه الذي قبَّحتموه
بأقدامكم، شرْق وغرب، (فِيتُو) وحرب، صِهْيون وعَرَب، ثورة وغضَب، ووعيدٌ اقترَب.
ابنَ
آدم، أنا ابنُ أبيك، وصِهْر أخيك، سيموت ويَفنَى ما فيَّ وما فيك، ستقوم
الساعة ولن تجد مَن يحميك ويُؤويك؛ فاشْرب طَهُور الماء، وانزع ما في صدرك
من غلٍّ؛ يرحَمك الله ويجزيك، اقرأ وتمعَّن في قوله: ﴿ وَالَّذِينَ
كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً
حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ
فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [النور: 39].
أرأيتَ
يا ظَلُومًا سيَجزي الله المؤمنين، ويعذِّب الظالمين، سيرحم الرحماء،
ويُصْلِي المفسدين، سيَفرح بعفوه الصابرون، ويقولون: لأنَّنا كنَّا،
ولأنَّهم كانوا.
أيُّها الأماني، الآن
انتظري؛ لأنَّنا ولأنَّهم سأسعى ومعي يَقِيني أنَّ الله ناصري، هو خيرُ
مَن حكَم ومن نصَف، الفَرق حرف، والدنيا ترف، والعِرْض شرَف؛ فارزقنا
ياربِّ الغرفَ.
دمتم برعاية الرحمن وحفظه