حنجرة نصر الله وحنجرة القاشوش
انتفخت أوداج نصر الله، بدت عليه علامات الغضب والتوتر.. رسمت الثورة السورية النقية على قسمات وجهه انكسار الهزيمة، وبكل ما وافته حنجرته من صوت صرخ في وجه مستمعيه مستميتاً في الدفاع عن النظام الصهيوني في دمشق.
تحدث طويلاً "سيد المقاومة" في "مكلمة يوم القدس"، ذاك اليوم الذي ابتدعته طهران لستر خيبة أمل الأمة الإسلامية جميعاً في موقفها الهزيل من القضية الفلسطينية التي مضت عقود الثورة الإيرانية الثلاثة دون أن يطلق "جيش القدس" طلقة واحدة باتجاه "إسرائيل"، واكتفى بتوجيه رصاصات غدره إلى فلسطينيي مخيم الرمل باللاذقية في رمضان الحالي، استكمالاً لمهمة تتبع الفلسطينيين واستهدافهم من مخيم إلى آخر منذ أن "بزغت فجر المقاومة الطائفية" بلبنان، وحتى "انتصار أتباع المهدي" في العراق.
أغرقنا "السيد" بسيل عرمرم من العبارات الخشبية عن المؤامرات الخارجية التي تحاك على سوريا لغرض إلغاء دورها "الممانع"، والمتمثل في رعاية المقاومة الفلسطينية، وهي المؤامرات التي تريد شطب سوريا المقاومة من الخارطة، باستخدام "حزمة من الإجراءات" تذكرنا بـ"حزمة الإصلاحات" التي وعد بها بشار الفاشي والتي صارت محل سخرية من نشطاء الثورة السورية، ومجموعة من الأدوات التي تعمل على كسر شوكة سوريا، لكن لم يذكر معها ماذا تمثل حنجرة إبراهيم القاشوش في كل هذا، اللهم إلا لو كانت تمثل أحد أسلحة الدمار الشامل التي تخشاها فرقة الطائفي ماهر الأسد، وجيش القدس الإيراني وميليشيا "حزب الله"، فرميت جميعها بكل ما أوتيت من قوة وخسة لاستئصالها من عنق الشهيد!
رفض زعيم الحزب التسويق والمسوقين للطائفية في سوريا، وهو القائم بأعمالها في ربوع الشام، وما دخلت عناصره إلى سوريا إلا لترسيخها، وحيث تحدث عن ليبيا بعد انتصار الثورة نسي كل سيئات نظام القذافي الدموي سوى خطفه للزعيم الإيراني موسى الصدر (منح الجنسية اللبنانية بلا تفسير مقبول) الذي أسس "أفواج المقاومة اللبنانية" ( منظمة أمل)، والتي صارت مسؤولة فيما بعد اختفائه بأعوام عن ارتكاب أحد أكبر المجازر بحق اللاجئين الفلسطينيين في مخيم صبرا ومستديرة شاتيلا (في العام 1985)، والتي قتل فيها نحو ثلاثة آلاف فلسطيني.
مثلهم من الضحايا كان قد قتلهم نظام يستحي نصر الله في حديثه عن ذكر "مساندته وكم قدم للمقاومة الفلسطينية لكيلا أحرج أحداً"، على حد قوله، ومن تلك المساندة ما كان في مخيم تل الزعتر قبل تلك الجريمة بعشرة أعوام، حين أمطر النظام المخيم الفلسطيني بـ55 ألف قذيفة عبر وسطائه في لبنان.
لا داعي للحرج يا "زعيم المقاومة" فكل فلسطيني يحتفظ بتاريخه يدرك "أفضال" نظام الأسد الأب والابن على كل مخيم فلسطيني في الشتات، حتى تلك التي تخرج ـ قليلاً ـ عن مناطق نفوذه كمجمع البلديات الفلسطيني في بغداد، الذي شهد بدوره مذبحة قبل خمس سنوات على أيدي طائفيين؛ فلواءا الذئب والعقرب في الداخلية العراقية التي كان يقودها حينها الإيراني جبر صولاغ، هما اللذان غطيا ودعما مجزرة البلديات في بغداد التي نفذتها ميليشيا بدر، وتحديداً "سرايا الحساب" فيها والتي وزعت منشوراً قبل المذبحة يتوجه "إلى الخونة من الفلسطينيين الوهابيين التكفيريين النواصب الصداميين البعثيين الساكنين في منطقة الشؤون في مدينة الحرية عليكم مغادرة أماكنكم خلال 10 أيام وإلا سنقوم بتصفيتكم". التوقيع "سرايا يوم الحساب" [الشرق الأوسط 27/3/2006].. تماماً مثلما فعل اللواءان السادس والثامن الطائفيان في الجيش اللبناني في صبرا وشاتيلا الثانية للتغطية على جرائم ميليشيا أمل (التي انبثق عنها فيما بعد "حزب الله" ومنظمة أمل بوضعها الحالي بعد توزيع الأدوار بشكل جيد داخل المنظومة الطائفية الحاكمة).. وهو عينه ما فعلته الفرقة الرابعة بالجيش السوري الآن (الطائفية أيضاً)، للتغطية على جرائم الشبيحة (جيش القدس و"حزب الله" والميليشيات الطائفية البعثية) في مخيم الرمل..
لا يريد نصر الله أن يحرج أحداً بذكر هذه المآثر التي قدمها النظام السوري الطائفي (الذي يخشى قائد "حزب الله" أن يجره الثوار إلى طائفيتهم!) للشعب الفلسطيني،
لا يريد أن ينعش ذاكرتهم بتكرار هتاف أنصار "أمل" الطائفية وهم يصرخون في بيروت الغربية إثر مجزرة صبرا وشاتيلا الثانية "لا إله إلا الله والعرب أعداء الله", محتفلين بمجزرتهم في مخيم صبرا الفلسطيني [صحيفة الوطن الكويتية 3/6/1985]..كما لا يحب أن يعيد على أسماعهم عبارة "لا إله إلا بشار" التي يلقنها طائفيو قرينه بشار للمستضعفين من المأسورين المعذبين في سوريا.
ولا يحبذ أن يكثر من ذكر المناقب لتفضيله "صدقة السر على العلن"، ولا يقبل أبداً بأن يدلنا على طريق الممانعة الذي اتخذه نظام الأسد أباً ووريثاً لئلا نحسده على ممانعته الفريدة التي مكنته من ضبط النفس طوال أربعين عاماً، وجعلته يحتفظ لنفسه دوماً بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين على أي اعتداء صهيوني، لأن هذا النظام وهو في عقده الخامس من الاستبداد يراهن على جهوزيته للرد بعد نصف قرن أخرى من الزمان!
يبيع لنا "السيد" الهواء.. يردد "يريدون من سوريا تنازلات لا إصلاحات"! أي تنازلات يمكن أن يقدمها نظام عارٍ من كل سيادة، وأي مطلب سيساومونه عليه إذا كان أول إجراء فعلته "إسرائيل" وهي ترى الحليف السوري يوشك على الانهيار هو بناء جدار حول الجولان، لأنه لن تعود آمنة كما كانت خلال ما يقارب نصف القرن، كان خلالها الأب والابن "نعم الحارس الأمين". والمضحك أنه يلمز من قناة بعض الدول الخليجية في مجالات الحريات العامة والشخصية أيضاً كما لو كان بيت رفيقه من حديد، وبيوتهم من زجاج!
لم تعد تلك الجعجعات تسحر أحداً، ولا حنجرتها الصارخة تطربنا، صراخها المزعج سيذهب سدى، وسيظل السوريون يرددون خلف بلبل الثورة إبراهيم القاشوش، الذي اقتلعتم حنجرته، لكيلا يسمعكم "ارحل ارحل يا بشار".. سيظل تلاميذه ينشدون أهازيجه، سترن في آذانكم، سيجلجل رجع صداها يزلزل أركان الطائفية التي بنيتموها على فراغ وأسستموها على شفا جرف هارٍ.. وسيعود الشام يوماً قريباً حراً فسيحاً لا يضيق بتنوعاته ولا يظلم أيا من مكوناته جميعاً.