كتاب الكشكول
كتاب الكشكول من التراث القديم لمؤلفه الشيخ محمد بهاء الدين العاملي، ومما جاء فيه مثلا:
حكى الصولي عمن أخبره قال: خرجنا للحج فعرجنا عن الطريق للصلاة، فجاءنا غلام فقال: هل فيكم أحد من أهل البصرة؟ فقلنا كلنا منها فقال: إن مولاي منها وهو مريض يدعوكم، قال: فقمنا إليه، فإذا هو نازل على عين ماء، فلما أحس بنا رفع رأسه وهو لا يكاد يرفعه ضعفا وأنشأ يقول:
يا بعيد الدار عن وطنه
مفردا يبكي على شجنه
كلما جد الرحيل به
زادت الأسقام في بدنه
ثم أغمي عليه طويلا، فجاء طائر فوقع على شجرة كان مستظلا بها، وجعل يغرد ففتح عينيه وجعل يسمع التغريد، ثم أنشد يقول:
ولقد زاد الفؤاد شجى
طائر يبكي على فننه
شفه ما شفني فبكى
كلنا يبكي على سكنه
ثم تنفس الصعداء ففاضت نفسه، قال: فغسلناه وكفناه، وسألنا الغلام عنه فقال: هذا العباس بن الأحنف وكانت وفاته سنة مائة وثلاث وتسعين وكان لطيف الطبع، خفيف الروح رقيق الحاشية. حسن الشمائل، جميل المنظر، عذب الألفاظ كثير النوادر، ومن شعره:
من أجل هذا الناس أبعدت المدى
ورضيت أن أبقى ومالي صاحب
إن كان فقر فالقريب مباعد
أو كان مال فالبعيد مقارب
* ومن كلامهم من وجه رغبته اليك وجبت إعانته عليك.. ومن كلامهم من بخل بماله دون نفسه جاد به على خليل عرسه. ومن كلامهم جود الرجل يحببه إلى أضداده ويبغضه إلى أولاده.
وقيل لبعضهم: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت والدنيا غمي، والآخرة همي. وقيل لصوفي ما صناعتكم؟ فقال: حسن الظن بالله، وسوء الظن بالناس. ,قال بعض الحكماء: إنما حض بالمشاورة لأن رأي المشير صرف ورأي المستشير مشوب بالهوى. وقالوا: إن سلمت من الأسد فلا تطمع في صيده. ولا تمر بمن يبغضك وإن مررت فسلم. ومن تغير عليك فلا تتغير له لا تكثر مجالسة الجبار وإن كان لك مكرما. ,من برك الصديق توقيرك إياه في المجالس. أهون التجارة الشراء، وأشدها البيع.
قال الخليل بن أحمد: الدنيا مختلفات تأتلف ومؤتلفات تختلف. ,قال بعض العارفين: هذا والله هو الحد الجامع المانع. قال ابقراط الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع. ورأى افلاطون شخصا ورث عن ابيه ضياعا فباعها واتلف ثمنها في مدة قليلة فقال: الاراضي تبتلع الرجال وهذا الفتى يبتلع الارضين.
وفي تاريخ الحكماء للشهر زوري: إن رجلا انكسرت به السفينة في البحر فوقع إلى جزيرة فعمل شكلا هندسيا على الأرض فرآه بعض أهل تلك الجزيرة، فذهبوا به إلى الملك فأحسن اليه واكرم مثواه، وكتب الملك إلى سائر ممالكه: أيها الناس اقتنوا ما إذا كسرتم في البحر صار معكم. وجاء رجل إلى إبراهيم بعشرة آلاف درهم. والتمس منه أن يقبلها فأبى عليه، فألح الرجل فقال إبراهيم: يا هذا تريد أن تمحو إسمي من ديوان الفقراء بعشرة آلاف درهم لا أفعل ذلك أبدا.
• وقال بعض الحكماء: مسكين ابن آدم لو خاف من النار كما يخاف من الفقر لنجا منهما جميعا، ولو رغب في الجنة كما رغب في الدنيا لفاز بهما جميعا، ولو خاف الله في الباطن كما يخاف خلقه في الظاهر، لسعد في الدارين جميعا.
ومن جلس في صغره حيث يحب جلس في كبره حيث يكره. إذا جاء الصواب ذهب الجواب.
قيل لعمر بن عبد العزيز: ما كان بدء توبتك؟ فقال: أردت ضرب غلام لي، فقال: يا عمر اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة.
• ولما مات الخليفة الرشيد، دخل الشعراء على الأمين ليهنوؤه بالخلافة، ويعزوه بالرشيد، وأول من فتح لهم هذا الباب أي الجمع بين التهنئة والتعزية أبو نواس، فإنه دخل على الأمين فأنشده:
جرت جوار بالسعد والنحس
فالناس في وحشة وفي أنس
والعين تبكي والسن ضاحكة
فنحن في مأتم وفي عرس
يضحكها القائم الأمين
ويبكيها وفاة الرشيد بالأمس