نهض ذلك المحارب القديم من قبر الزمن
في نفس المكان الذي سقط فيه في ذلك الظلام البارد
الذي حسبه الموت
ولكنه ليس ميتا ..فهاهو حي مره أخرى
تلفت مرة بعد مرة فيما حوله
ليتأكد انه نفس المكان وهو كذلك بالتأكيد
فهاهو الجبل ...وهذه ساحة المعركة
ولكن أين ذهب كل شيء
المعدات .والمدافع
الخنادق والجنود الباسلين
خيمة القائد
وذلك النعش الأبيض الذي يقبع ساكنا في إنتظار أن يناديه الموت ليأخذ الضحيه
لاشيء ولا احد ....هل تركوه في غيبوبته
وكم لبث فيها ..كان الوقت نهاية يوم ملبد بالغيوم والشمس تبدو راحلة
وشبح نصب أسمنتي عالي يطل على ساحة المعركة شامخا يرتدي حلة مهترئة
لم يكن موجودا من قبل ؟؟؟
مشى إليه المحارب بثيابه العسكرية الرثه وذقنه النامي والبندقية على كتفه
حتى وصل إليه فهاله ما رأى ؟؟
إنه نصب تذكاري لشهداء الحرب التي شارك فيها ..بتاريخها وتفاصيلها
الذكرى الخــ50ــــــمســـون !!!
ياإلهي خمسون عاما مرت
وأنا أين كنت ؟؟
انا لست نائما ولا ميتا بالتأكيد؟؟
حدق مرة أخرى ..
ولكنها الحقائق ..
فهاهي أسماء الشهداء ترتعد بردا على الأسمنت المتهالك ..
إنه يعرفهم واحدا تلو الآخر
يتذكر ضحكاتهم وأنين جراحهم
يتذكر أحاديثهم وأشواقهم لمحبوباتهم اللاتي ينتظرنهم على أطراف القرى
يتذكر تلك الرسائل المتقطعه التي تصلهم من الوطن مكتوبه بالدموع
وتُقرأ بها
تذكر دموع رفيق سلاحه في الخندق عندما قرا الرساله التي تخبره
أن والدته ماتت وأنها تُقرأه السلاااام
دارت الدنيا أمام عيني المحارب هولا وحزنا
تذكر إبنته الحبيبه وهو يتحسس صورتها في جيب سترته
فوجد مالم يتوقعه في الصورة التي يطالعها !!!
وجد ملامح إبنته ذات السنوات الـســـ7ـــبع
قد شابت وصارت لإمرأة في الستين بوجه مليء بالتجاعيد
راى إسمه مسطرا مع أسماء الشهـــداء
عندها ادرك الحقيقه الكاملة ...القاسيه
إنه مجرد ذكرى ........
في زمن ليس بزمنه ...زمن سيلفظه عما قريب
ادرك انه فارق طفلته ..وزوجته ...وبيته السعيد والأمر من ذلك ..زمـــنه
إنه الآن مجرد محارب قديم ..شعر بالغربة ...سرت المرارة في بدنه ويده المرتعده
ومالت الشمس خلف الأفق وخيمة عتمة معتمه ..
وفجأة ...!!
برز من نصف الساحة علم بلاده ...ورفف عاليا ..
فطالعه بشوق ...وركض نحوه ..حتى وقف تحته ..وهو يسمع الصيحات تولد من بعيد
وأصوات الجيش وهدير المدفعيه...ورائحة البارود والموت ... وصوت القائد يصيح بالجنود ......
عندها إبتسم ...إنه الآن في زمنه .....في معركته...
إكتملت الصورة في عينيه....... ومضى يحارب ببسالة ..ويحارب ...ويحارب
جيشا لن نراه!!!! جيشا يحارب في أزمنة ما بعد الموت
حارب حتى سقط مضرجا بدمائه ..سقط شهيدا
شهيدا للزمن ...
وعندما لامس جبينه التراب .....
خيم عليه ألف ليـــل
وإختفى ....؟؟
إختفى ذلك المحارب القديم ....تحت رايات نصــــره