تسع عجاف و العاشرة ربيع * كامل النصيرات
مثل اليوم وقبل عشر سنوات كنتُ أسير في شوارع وسط البلد ..كان الناس مجموعات مجموعات يبحثون عن أي تلفزيون ليشاهدوا ضربة البرجين الأمريكيين ..!! لم يعتقد لحظتها أحد أن تلك اللحظات التي أمام الفضائيات هي آخر اللحظات في نهاية حقبة أمريكية و بداية حقبة جديدة ..!
سعيد ( بيّاع هرايس ) أحد جيراني ..لم يكن يشاهد الفضائيات لحظتها ..لم يعرف أن أمريكا تتعرض لهجوم ..فقلت له : هناك عملية ضد أميركا ..تغيّرت معالم وجهه اندهاشاً ..سألني كم سقط قتلى ومن الذي عملها ..؟ قلت له : ما حدا عارف العدد و ما حدا عارف مين وراها و لسا العملية هلا بلشّت ..كان البرجان قد ضربا و لكنهما لم يسقطا بعد ..قال سعيد فرحاً : أكيد حماس إللي عملتها .. رح أوزع قطعة هرايس أم البريزة ( عشر قروش ) عن كل واحد ينقتل ..لما تعرف رقم القتلى خبرني ..أكيد رايح يموت أقل شي سبعة ثمانية ..!! ضحكت من سعيد لأنه ذكر سبعة ثمانية ..لأني كنتُ أعتقد لحظتها أن العدد سيكون أكثر من ثلاثين قتيلاً ..و سينكسر سعيد من توزيع الهرايس المجانية ..!!
واتضحت المعالم الأولى للعملية ..وسقط البرجان ..و قالت أغلب التقارير أن عدد القتلى لن يقل عن عشرة آلاف قتيل ..هرعت إلى سعيد ..قلتُ له : عندك هرايس كثير كثير؟ قال لي : ليش ؟؟ قلت له : عدد القتلى أكثر من عشرة آلاف للآن ..!! بهت سعيد ..فتح فمه على الآخر ..قال : هااااااااااااااا..!! وبسرعة قلب سعيد موقفه ليخرج من المأزق وقال : و شو ذنبهم ..؟ يا حرام ..هذا اجرام ..لا لا ..يا حرام يا حرام ..!! نظرتُ إلى سدور الهرايس القليلة التي لديه و ضحكت وغادرت ..!
مرت عشر سنوات ..تسع منها عجاف بمعنى الكلمة ..تغيرت فيها أميركا و صارت غولة ابتلعت فيها أفغانستان و لم تشبع ..وعادت لتبتلع العراق ..و لم تشبع ..وكادت أن تبتلع غيرهما لولا المغص الذي يصيبها للآن ..ولكن السنة العاشرة كانت سنة الربيع العربي ..سنة توقف أمريكا عند حدها ..لتبدأ كلمة الشعوب ..!!
لولا السنوات العجاف التسع على الوطن العربي ..لولا ارتماء الأنظمة العربية في أحضان الغولة لما شعر المواطن العربي بأن ( إللي خايف عليه .....) . وتحوّل من مواطن فاقد للكرامة إلى ثائر تركع أقدامه أنظمة ..ولما تحولت السنة العاشرة إلى ربيع حقيقي..!.