لم يقنع أحد يوماً بأنه يجب على الإنسان أن يحب عدوه و يوقره، و لا زلت أدافع عن هذه الفكرة أبدا، إذ لا قيمة للدول، و لا حاجة للحصون، و تسمية ثغور، دون أن يكون هناك من يهدّدها - حقيقة-، بل لا حاجة لتسمية دول، فتكون الأرض دولة واحدة و انتهى الأمر.
و إذا سئلت عن أحزن موقفين سأتعرض لهما بحياتي، و قد سئلت، و لطالما كانت إجابتي: عند فقدي لعدوي العزيز، أو صديقي اللدود، و طالما ظن بيَ الناس الجنون، لكنهم نسوا قوله تعالى:" الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين"، فكل خلّ هو ليس بمتقّ ربه، هو صديق لدود، فيطعنك بسرك الذي أسررت له إذا فقدته، فستحزن لفضحه سرك، أما عدوي العزيز فإني لا يمكن أن أقدره بثمن، فإذا فقدته فقدت الحياة سببها، و لست وحدي من قنع بهذا الرأي، بل إن الولايات المتحدة، و بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، بقيت فترة من الزمن ليست بطويلة، تبحث لنفسها عن عدوّ، إلى أن وجدت عدواً قوياً، و وحشاً ربته في حظيرتها، و دربته ليكون عدواً للمستقبل، و أسمته الإرهاب.
و لكن، ألا نجد التناقض فيما بين المواقف، فهل ترد الدول السلام و الحياة الهانئة الهادئة، أم تريد الدول الحرب و التقتيل، و أرى أنه لا مانع من التمحيص في البحث، لنعود في الماضي، منذ نشأة الولايات المتحدة، إذ نشأت من شعوب ذات أعراق عديدة، من سكان أصليين، و من الغزاة الفرنسيين و البريطانيين و الألمان و سواهم كثير، ليس لهم ما يوحدهم، و كان الحلم الذي أقضّ مضاجع قادتهم منذ التفكير بالاستقلال، البحث عما يوحدهم، و أول خطوة خطوها كانت توحيد اللغة، و جرى استفتاء في ذلك الوقت بين الألمانية و الانجليزية، و كان أن تقدمت الانجليزية على الألمانية بأصوات قليلة، لكن ذلك لم يكف، فبقيت حروب الشوارع، و العصابات، التي كثيراً ما سمعنا عنها في التاريخ الأمريكي، في نيويورك، و الحرب الأهلية التي استمرت أربع سنين، و من هنا كان اكتشاف السر، إذ اتحد كل أهل الجنوب الأمريكي على فكرة واحدة، و هم من شتى الأصول و المنابت، و كذلك فعل أهل الشمال.
و بعد اكتشاف هذا السر الخطير، الذي لا أجد وصفاً له أروع مما سمعته في أحد المسلسلات: " أن أجمل ما في الحرب أمرين: فصل الناس بين شريفهم و خائنهم، و توحيد الشرفاء لهدف واحد هو النصر"، و هذا ما لم تتوانَ عنه الولايات المتحدة، و بدأت به فعلاً، منذ حرب تحرير كوبا ضد إسبانيا في مطلع القرن العشرين، إلى الحرب العالمية الأولى، فالثانية، و في كل مرة أظهرت فيها تمنعا عن الالتحاق بالحرب، ثم تقبل، و في الأولى كلنا نعرف عن كارثة سفينة ( البريتانيك) التي فـُجّرت، و اتهمت ألمانيا بها، و بهجومها على سفينة هي مشفىً عائم، مما قض مضجع الولايات المتحدة، خاصة و أنه كان من رجالها عليها، فدخلت كالفارس الشجاع إلى الحرب، و أنقذت موقف الحلفاء، و في الثانية، عند قصف ميناء (بيرل هاربر) متناسين أن الولايات المتحدة كانت تدعم الحلفاء بالسلاح في حربهم، دون ن تدخل الجنود، و حجتها، أنها ترعى اقتصاداً حراً، و لشركات صناعة الأسلحة بيع من شاءت، ثم دخلت الحرب الباردة.
و بعد أن آن الأوان بانهيار الاتحاد السوفييتي، فكت أسر وحشها المفترس، الذي أسمته الإرهاب، ليكون عدوها الأول، و نعم العدوّ! إنه مطاط، لا معرّف له، فتارة يغزوها في عقر دارها، و تارة يضربها في كل مستقر و مستودع لها، حتى هاج العالم كله من استهداف المدنيين و ضربهم، و كان هذا الهيجان العالمي تحت لواء واحد، فلنقض على الإرهاب، و لكن يا ليته كان للإرهاب دولة، فنقضي عليه بها، فهو يتشكل في كل شكل و موقف، فهو عدو مثالي لدولة ذات قدرات عسكرية مثالية، عدوّ لا تعرف ماهيّته، فلا يمكن القضاء عليه، فيبقى الشعب متحداً، يداً، بل قبضة واحدة تضرب الإرهابيين الأشرار في كل معقل و وكرٍ يمكرون به لضرب السلام العالمي، و الحق يقال: أنها فتحت على نفسها باباً كما يقولون، فأصبح لزاماً عليها دعم الدول الفقيرة و الضعيفة، لتحارب الإرهاب معها، و أصبح الفالح و الصالح من أعلن الحرب على الإرهاب، فتفتح له مخازن الأسلحة، و صوامع الطعام، و إلا فهو راعٍ للإرهاب، حامٍ له.
هذا درس بحق، علمنا إياه الأمريكيون، بالصبر و الجد و المثابرة، لتحقيق الوحدة، و لم يكتفوا بذلك، بل هو درس لكل شعب اختلفت أصوله و منابته، فعليهم بالحرب، أو على الأقل، أن يخترعوا عدواً من بنات أفكارهم، و أن يكون عدوًّا يعتقد شعبها أنه عدوّ بحقّ، غريب عنه، ليوحد شعبه، فلن يعود أحد للبحث عن منبت أو حتى ثأر، و لن يعود هناك جرائم خطيرة، فالجيش بخدمته الإلزامية يضبطهم و يعلمهم الأخلاق الفاضلة، بل حتى أنه ينشئ الرجال، فهناك عدوّ غاشم غادر يتربص بهم.
عدوي العزيز، و بعد أن أريتك كم أنت مهم بالنسبة لي، أيلومني أحد على حبي لك، ألا أحزن على فقدك، ألا أشتاق لك، ألا أرفض التخلي عنك، إن و الله للعدو لمعزة في صدري، لا يعلمها إلا ربي، و سع ربي كل شيء علماً.
KLIM
موضوع: رد: عدوي العزيز 11/9/2011, 00:56
الامر لا يخلو بس ان يتحول العدو لصديق و بالعكس نعم حدث و صادف بالحياة
Jasmine collar
موضوع: رد: عدوي العزيز 11/9/2011, 01:12
أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما و أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما