لنظام يبقى والناس يموتون لأجله، النظام يبطش وجنوده يريدون من الرعايا أن يرفعوا بشار إلى مصاف الآلهة ويصفعون الناس إن لم يعترفوا بأن "لا إله إلا بشار"، النظام في دمشق لا يدري أو لعله يدري أن ساحة الأمويين الواقعة بين مبنى الإذاعة والتلفزيون السوري ومكتبة الأسد، والتي تصعد منها الطريق إلى قصر الرئاسة المطل بُعدا عن دمشق، يمكن أن تكون المجال العام الأكثر تأثيرا لثورة دمشق على رئيسها المنهار والذي لا يملك من حكمة بني أمية إلا توزيع الابتسامات كفتى يشتاق للبلوغ.
آخر بطولات النظام السوري كانت ليلة أمس في ساحة الأمويين ضد الفنان علي حرب فرزات وهو في سيارته عائد للبيت، هناك اخذ الرجل من ساحة الأمويين وضرب ورمي على حافة طريق مطار دمشق بعد أوسع ضربا، فالأسد يبدو أنه لم يعد يحتمل القبول حتى بمسودة لوحة لحرب فرزات، وقد تحولت اللوحات إلى سلاح ناقد ومزعج لنظام الأسد الذي لم يعد يحتمل نفس فنان.
يخشى الأسد لوحات علي حرب فرزات، التي كانت متفائلة به يوم جاء، لكن الفنان الحر، عندما رأى الرئيس ينحرف ما لبث أن استعاد الصورة الموروثة بالاستبداد، فتلك العصية من تلك العصا، وهو يظن إن قتل حرب فرزات أو غيره يمكن أن يقود المعارضين لبيت الطاعة.
ويبدو أن بشار لم يقرأ تاريخ أهل الشام، هم الذين يتمسكون بدمشق، ولو بلغ الموت الزبى، هم الذين لا يطيقون رؤية الأغراب بدمشٌق وقد قال فيهم إيليا أبي ماضي:
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى
كي لا يرى في جلق الأغرابا
و إذا نبا العيش الكريم بماجد حرٍّ
رأى الموت الكريم صوابا
هم الدمشقيون أيها الرئيس الذين أغلقوا دفاتر تاريخهم على وجع أبيك، وهم الحمويون الذي بقيت نسائهم ثكالا من بطش أبيك، وهم الدرعاويون الذي اختلفوا بك مستبدا وردوك لأبيك وكشفوا زيف ابتسامتك ووعودك، وهم أهل الميدان الأحرار الذين سيتعاملون مع إرثك كحبة جوز دمشقي فارغة القلب، هم أهل البوكمال الضاربون بالأرض وجودا وهي حلب التي اعتادها الحرير والترف، وقريبا ما تثور، فيما حلفاءك هنا وهناك يرونك رمزا خالدا. فيما دباباتك ومرزقتك يدخلون حي خالد بن الوليد ويقتحمون مسجد سيف الله المسلول، وهو المسجد الذي ظن نظامك عليه حتى جاء محسن إماراتي ودفع كلفة الترميم.
وهي دمشق أيها الرئيس التي تحمل في جوف قبابها عزم وإرادة لن تقوى عصابتك على سرقته لحظتها الحرية وقد صدق الشاعر حين وصفها بقوله:
ليست قبابا ما رأيت و إنما عزم تمرد فاستطال قبابا"دمشق الياسمبن" أيها الرئيس لن تقلق من بعدك، سيرتب لك الدمشقيون باقات من أغصان ورق الآس تليق بك، فالدمشقيون أرقاء حتى في الخصومة، لكنك لم تعرف كنههم أو سر حبهم للناس وحب الناس لشامهم، سيمر بك الموكب من سرها الكبير بردى الذي تضائل بعهد أبيك وغار في الأرض في عهدك.
سيرسم لك علي حرب فرزات صورة وأنت تتجول في ساحة المرجة، وأنت تستبدل نصب أحرار دمشق ضد جمال باشا السفاح بنصب جديد يمجد بطشك، ويحتفل بك، وبقتلك أطفال درعا، عندها اعتقد انك ستكون غائبا أو مطاردا في جبال القلمون.
علي حرب دمشقي أيها الرئيس، وقد جاد الرحل نزار قباني في وصف الدمشقي فقال:
أنا الدمشقي .. لو شرحتم جسدي
لسال منه عناقيد.. وتفاح
ولو فتحتم شراييني بمديتكم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا
ما للعروبةِ تبدو مثلَ أرملةٍ?
أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ?
والشعرُ.. ماذا سيبقى من أصالتهِ?
إذا تولاهُ نصَّابٌ ... ومدّاحُ?
وكيفَ نكتبُ والأقفالُ في فمنا?
وكلُّ ثانيةٍ يأتيك سفّاحُ?
حملت شعري على ظهري فأتبِعني
ماذا من الشعرِ يبقى حينَ يرتاحُ?
أدمت سياط حزيران ظهورهم
فأدمنوها ..وباسوا كفّ من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا
متى البنادق كانت تسكن الكتبا
لكل ذلك عليك أيها الرئيس أن تعود للصواب والصواب إن ترحل، فلا فجيعة بعدك، ولا أنين عليك ولا يتامى ينتظرون عطائك، فقط هناك أرامل ويتامى من فعل جندك، الذين حولوا الحياة في احد جنات الله في الأرض إلى جحيم.