العادات والتقاليد المصرية
المصريون من أكثر شعوب العالم تمسكا بالعادات والتقاليد المتوارثة من قديم الأزل ، ويبدو هذا واضحا جليا من خلال طقوس حياتهم اليومية وسلوكهم اليومي ، بالإضافة إلي مظاهر الاحتفال بالأعياد والمناسبات المختلفة .. وفي السطور سنحاول رصد بعض هذه العادات وبيان جذورها والحكمة منها ومدي استمرارها في حياة المصريين ..
المأذون والكوشة والزغرودة .. طقوس فرعونية قديمة
طقوس الزواج التي نمارسها اليوم فرعونية من الدرجة الأولي ، فالمأذون ذو العمة والقفطان أو حتي المأذون " المودرن " بالبدلة والكرافت ، هو نفسه المأذون الفرعوني المكلف من المعبد بعقد رباط الحياة الزوجية المقدس بين العروسين ، ويقوم بعد ذلك بكتابة عقد الزواج من 3 نسخ - مثلما يحدث الآن تماما - واحدة للعروسين وأخري للمأذون وثالثة لدار المحفوظات حتى لا يضيع حق أحد ..
وعن إقامة حفل الزفاف ، اعتاد المصريون علي أن يكون حفل الزفاف في منزل العريس أو العروس حسب الاتفاق ، أو مثلما يحدث الآن في أحد الفنادق الكبري إذا كان العريس ثري بعض الشيء ، أو في نوادي الدرجة الثانية ، أو في أغلب الأحيان علي سطح منزله !!!
كذلك كان العروسان قديما يقومان بتزيين قاعة الزفاف ، وأهم شيء يستخدم لتزيين القاعة هو زهر الياسمين ، وهو بالفرعوني " الياسمون " ، وذلك لأنه في اعتقادهم زهر الجنة ورائحته هي رائحة الجنة ، وكان يطلق علي المكان الذي يجلس فيه العروسين " الكوش " ، وقد تطور هذا الاسم الآن وأصبح " الكوشة " .
ومن تقاليد الأفراح المصرية حاليا " تورتة العروسين " والتي يحرص فيها العروسان علي تقطيعها سويا ، ويقوم كل منهما بتناول جزءا صغيرا علي طرف السكين من الشيف المخصص لتقطيع هذه التورتة .
كما تحرص النساء اللائي يحضرن الزفاف بإطلاق " الزغاريد " التي تعبر عن فرحتهم بإتمام هذا الزفاف المبارك .
المآتم المصرية .. حكايات وروايات
أما عادات المصريين في المآتم فهي بحق تعتبر تراثا يجب الإشادة به دائما ، فالمصريين في المآتم ينقسمون إلي طبقات تبعا لمستوي المعيشة تماما ، فلابد أن يظهروا حتى ولو في الأحزان بأحسن مظهر، لابد أن يكون لكل إنسان ذكرى يتذكره بها الناس فيوم الممات هو يوم عيد بالنسبة للمتوفى، وكل إنسان له مقامه .
وللأسف الآن لا توجد مآتم كالتي كانت تقام زمان ، فالآن أهل المرحوم يكتفون بتأجير الفراشة لمده ثلاث ساعات فقط ، رغم أن سرادق العزاء كان يستمر ثلاثة أيام في الفترات الماضية .
ويقول حانوتي متخصص في نقل الموتى من " ولاد الأكابر " علي حد قوله :
كل ميت وله مقامه وسعره يعني إذا كان الميت جاي من الخارج فأنا استلمه من المطار وأوصله لمثواه الأخير ، إذا كان داخل مقابر القاهرة أو الفيوم آخذ مبلغ 2000 جنيه ، أما إذا كان سيدفن بالمحافظات فكل توصيلة حسب المسافة.
أما عبد الباسط التربي فيقول
" أنا كتربي مش معقول ادفن ابن الوزير مثل ابن الفقير، كل واحد لازم يكون عنده نظر وتقدير، بيتكلفوا جبس و عربيتين رمل ، وأنا بآخذ في الرأس 300 جنيه ، لأن الرمل ارتفع سعره، كذلك الجبس ، وكمان كل شيء في مصر زاد اشمعنى أنا " !!!
واللافت للنظر في مسألة مآتم المصريين ، ما ابتدعه البعض من ضرورة تأجير أحد المقرئين المشهورين لتلاوة القرآن الكريم في العزاء ، والذي قد يصل أجره في بعض الأحيان إلي 20 ألف جنيه في ساعتين فقط من الوقت ، رغم أن البعض بدأ يستعيض عن هذا الأمر بتشغيل جهاز الكاسيت علي صوت أشهر قارئي القرآن في مصر ، دون الحاجة إلي دفع هذا المبلغ المبالغ فيه ، وعلي رأي المثل المصري " هو موت وخراب ديار " !!!
المآتم المصرية .. وفن العديد :-
في بقاع مصرنا الحبيبة تختلف بالضرورة طقوس الجنازات والمآتم من محافظة لأخرى ، ومن قرية إلي قرية في نفس المحافظة ، رغم أنهم يجتمعون في النهاية علي رباط واحد وهو احترام قدسية الموتى ..
ولكن الشيء الأكثر شهرة في معظم محافظات صعيد مصر ، هو براعة المرأة المصرية في فن العديد ، واللطم علي الخدود والندب ، والذي تتباهي به النساء في كل مآتم ، حيث تتباري كل سيدة علي حدة في إبراز موهبتها في اللطم والعديد ..
يُعد الرثاء من أقدم وأهم فنون القول التي مارسها الإنسان لارتباطه بحقيقة كونية كبرى هي الموت، ولارتباطه بحاجات نفسية إنسانية أساسية منها الحزن الذي يصاحب حقيقة موت إنسان عزيز، ومنها رغبة الإنسان في الخلود، أو أن يبقى ذكره حتى بعد موته ممثلاً في تمثال خالد، أو مقبرة عظيمة، أو كتاب، أو الذكر الحسن الذي تخلده قصيدة رثاء!!
و"العديد" هو الرثاء في صورته الشعبية تقوله المرأة في حالة موت شخص ما، وقد تقلصت أغراض الرثاء في العديد، فأصبحت غرضًا واحدًا أساسيًا هو إثارة الحزن واللوعة على الفقيد عن طريق الصورة الشعرية.. وكان العديد يقال في المآتم عن طريق سيدات يحترفنه هن "الندابات" أو "الشلايات" هذا بالنسبة لطبقة الأثرياء، أما الطبقات غير الثرية فقد كانت تنشر "العديد" إحدى السيدات اللاتي تحفظه..
وكان هذا الفن يتركز في المآتم إلا أنه يتناول معظم ظروف الحياة التي تعيشها المرأة الشعبية، كما أنه يشبع حاجة الحزن لديها، ويشبع أيضًا سليقة طبيعية هي "الشاعرية" التي يوجد منها قسط لدى كل إنسان..
ويتميز العديد بقوة التصوير لأن الصورة هي سلاحه الأساسي في تحقيق غرضه، وهو إثارة الحزن في النفوس.
و"العديد" صورة تنعكس فيها حياة المجتمع، وتنطبع عليها أفكاره وطابع حياته، فهو يسجل في حياة الشعب ناحيتين.. عقلية الشعب وأفكاره.. حياة الشعب الاجتماعية والسياسية .. كما يساعد العديد على الإحاطة بأسلوب حياة وعادات وتقاليد ومناسبات وملابس ومأكل وأثاث… إلخ الطبقات الشعبية التي شاع فيها هذا الفن، وبذلك سدَّ العديد ثغرة في التاريخ الرسمي الذي سلط أضواءه على ما يخص الطبقات الأعلى متجاهلاً الطبقات الشعبية..
والعديد يتألف من مقطوعات، كل مقطوعة تتكون من بيتين، وكل بيت يتكون من شطرين فيكون مجموع المقطوعة أربع شطرات، ولكن من حيث المعنى نجد المقطوعة تتكون من بيت واحد، أما الثاني فهو تكرار للأول لا يختلف عنه إلا في نهاية الشطر تين بكلمتين مرادفتين غالبًا لمثيلتيهما في البيت الأول، وعندما تتكون المقطوعة من أكثر من بيتين - أحيانًا قليلة- تكون كلها تكرارًا للبيت الأول بنفس الطريقة أيضًا.. ولا تلتزم المقطوعات اتحاد أواخر الشطرات اتحادًا تامًا بل قد يكفي التقارب بين أواخر الكلمتين في مخارج الحروف والنغم والموسيقى، ويحاول العديد الالتزام بالأوزان الشعرية، ولكنه لا ينجح دائمًا فتعوض "المعددة" ذلك الأمر بإلقاء "العدودة" في نغم موسيقي بلا نشاز.
ولا بد هنا من إبراز التأكيد على موقف الدين من العديد، فرسول الله صلى الله عليه وسلم "قد نهى نهيًا شديدًا عن مظاهر الحزن في الحديث الشريف "
ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"
ولكنه لم يرد قط أنه نهى عن الكلام الذي يقال لمجرد التعبير عن الحزن سواء أكان شعرًا أم نثرًا، بل كان يستمع إلى مثل هذا، وأحيانًا يطلب الاستزادة في السماع، كما فعل صلوات الله عليه وسلامه، وهو يستمع إلى أشعر شعراء وشاعرات الرثاء والعديد "الخنساء"، وكانت كلما توقفت عن الإنشاد استزادها بقوله (هيه يا خناس) يعني استمري في الإنشاد يا خنساء. ومن البديهي أن العديد ليس إلا رثاء"…
والمعروف أن الرثاء يقال في حزن وقور بدون المظاهر المنهي عنها، أما العديد فيعتبر اللطم وشق الجيوب وحمل الطين والتراب على الرؤوس من ألزم لوازمه لدى المرأة الشعبية، لذلك شدَّد رجال الدين في محاربة العديد بسبب لوازمه ومصاحباته حتى وإن كان هو نفسه لا بأس به.. وقد يكون هذا من الأسباب الرئيسية لاندثار العديد، بالإضافة إلى ارتفاع درجة التعليم ومستوى الثقافة والانفتاح على العالم عن طريق الإذاعة والتليفزيون، وما صاحب ذلك من تغير في سلوك وعادات المرأة الشعبية، وطرق تعبيرها عن مشاعرها الفرحة والحزينة على السواء فأصبح مستهجنًا اليوم لديها ما كانت جدتها تعتبره ضروريًا..
وهناك 38 نوعًا من العديد تشمل معظم مناسبات الحياة بداية من عديد المرضى والعديد على الرجال والأطفال، وعديد الشباب والغسل والجنازة والعروس والمتعلمين والشجاعة والغريب، وعديد الذي لم يعقب أولادًا. والمرأة التي مات كل أولادها، والمرأة التي ماتت في الولادة، وعديد المناصب، وعديد الغريق والمحروق والسجين وصريع العربات.
وقبل أن نقدم نماذج من هذا العديد لا بد أن نشير إلى وجود العديد لدى كل الشعوب بصور متقاربة تقارب ثقافات تلك الشعوب، فإذا تشابه المستوى الثقافي والاجتماعي للمرأة في شعبين تشابه أيضًا العديد، بل وتشابهت مصاحباته ولوازمه كذلك..
ومن أشهر نماذج العديد المنتشرة في صعيد مصر وبعض محافظات الوجه البحري والقرى المختلفة:-
عديد التقي
طريق الجوامع تبكي عليه وتنوح ، فين المصلى اللي ييجي ويروح؟
طريق الجوامع تبكي عليه ديمة ، فين المصلى صاحب القيمة؟
عديد البنت التي لم تتزوج
يا ماشطة ارضي لها المقصوص ، وارمي لها بين الفروق دبوس
يا ماشطة ارضي لها لِبة ، وارمي لها بين الفروق دبلة
عديد الشجاعة
كان لنا سبع تهيبه السبوعة ، والسبع مات واحنا تاكلنا الضبوعة
كان لنا سبع تهيبه الناس ، والسبع مات واحنا صبحنا بلاش
عديد ذوي المناصب
القول عليك يا صاحب الجودة ، حجر الحدود ما تقلعك موجة
القول عليك يا صاحب المقدار ، حجر الحدود ما يقلعك تيار
عديد المواسم والأعياد
يا عيد عَيَّدْ على الجيران وامشي ، احنا الحزانى ولا نعيدشي
يا عيد عَيَّدْ على الجيران وروح ، احنا الحزانى وقلبنا مجروح
عديد المحروق
عين الجدع طالعة برة ، يا مين يحوش النار يا أهل الله؟
عين الجدع طالعة قدام ، يا مين يحوش النار دي يا أولاد؟
عديد صريع العربات
يا خد ويدي تحت العجل وحده ، يا حاضرين ابعتوا لاهله
يا خد ويدي تحت العجل وحديه ، يا حاضرين ابعتوا لاهليه
عديد السجن
سجانهم يا بو القفول نحاس ، واوعى توديهم بلاد الناس
سجانهم يا بو القفول حديد ، واوعى توديهم بلاد بعيد
عديد الصباح
رحت أصبحهم صباح الخير ، قالت الحمولة سيروا في الليل
رحت أصبحهم صباح بدري ، قالت الحمولة سيروا فجري
عديد العروس
مادي الله عريس معزوم في جنينة ، يا ريتها زفة ودخلته الليلة
مادي الله عريس معزوم بيت عمه ، لا طبلة ضرب ولا نقوط لمه
مادي الله عريس معزوم بيت خاله ، لا طبلة ضرب ولا نقوط جاره
عديد المرأة على زوجها
يا عمود بيتي والعمود هدوه ، يا هل ترى في بيت مين نصبوه؟
يا عمود بيتي والعمود رخام ، يا هل ترى في بيت من اتقام؟