لا يوجد شخص كامل أو شخص بلا عيوب، عبارة ترددها صديقتي في الوقت المناسب، حين يخيل لي أنني قد صُدِمت في شخص طالما تصورت أنه أكبر من العيوب، أو حين أتحدث عن دهشة اكتشافي واحدة من نقائص أعز الأصدقاء، أو حين أبدأ جرد حساب لصالح نفسي، معددة عيوب الآخرين في مقابل حسناتي وخصالي الحميدة التي بلا نهاية، عندها فإن هذه العبارة كفيلة بأن تقلب المعادلة أو حتى تقلب الطاولة في وجه أي ممعن في تصديق الكذبة الكبرى : إنه المثالي الأكبر في هذه الدنيا!! تأتي تلك العبارة لتوقظه وتهزه وتفتح عينيه على الواقع لا أكثر، فلا يسعك إذا كانت قد وجهت لك سوى أن تهدأ ومن ثم تبدأ في تأمل سياق الحكاية ومغزى العبارة التي نردد دائماً ما يشبهها “الكمال لله ولا أحد كامل غيره”، فلا أحد بلا عيوب، ولأننا جميعاً بشر فينا من الضعف أكثر من القوة، ومن الجهل أكثر مما لدينا من العلم، ومحكومون بالعجلة أكثر من احتكامنا للتريث والحكمة، فما علينا سوى أن نتمهل قبل أن نحكم على غيرنا، وأن نذهب بعيداً في تقبلنا لعثرات الآخرين كي يكون في مقدورهم غفران عيوبنا، وغض الطرف عما يصدر عنا ومنا!! وصلتني منذ أيام هذه الحكاية التي يقول كاتبها: .. عندما كنت صغيراً اعتادت أمي أن تعد لنا طعاماً مميزاً من وقت لآخر، في ذلك المساء، وبعد يوم طويل ومرهق قضته في العمل خارج البيت وداخله، وضعت أمي طبقاً من البيض والنقانق والبسكويت محروقاً للغاية على طاولة الطعام أمام أبي، كانت أمسية لا أزال أتذكرها بكل تفاصيلها. أتذكر أنني انتظرت لأرى إن كان أي شخص قد لاحظ ذلك الطعام السيئ، ولكن كل ما فعله أبي كان التقاط البسكويت والابتسام لأمي، ثم سألني كيف كان يومي في المدرسة، ولا تعليق آخر، لا أذكر بالتحديد ما أخبرته تلك الليلة، ولكني أذكر تماماً كيف شاهدته يضع الزبدة والمربى على البسكويت ويأكل كل لقمة منه بتلذذ غريب!! عندما غادرت الطاولة في تلك الليلة أذكر أني سمعت أمي تعتذر لأبي عن البسكويت المحروق، وكل ما قاله لها: عزيزتي أنا أحب البسكويت المحروق، وفي وقت لاحق من تلك الليلة ذهبت لأقبل أبي وأتمنى له ليلة سعيدة وسألته إن كان حقاً قد أحب البسكويت المحروق، فأخذني في حضنه وقال لي، إن أمك واجهت يوماً شاقاً في العمل اليوم وأنها حقاً متعبة، بالإضافة إلى أن القليل من البسكويت المحروق لن يضر أحداً، تلك من الكذبات الضرورية يا ولدي، فالحياة مليئة بأشياء وأناس ليسوا مثاليين، أنا نفسي لست الأفضل في أي شيء. ما نتعلمه بمرور الزمن هو أن نتقبل أخطاء بعضنا، وأن نحيي اختلافات بعضنا البعض هو واحد من أهم المفاتيح للمحافظة على العلاقات بيننا، حين نغمض عيوننا ونأكل “بسكويت” محروقاً أعده لنا صديق، دون أن نصرخ في وجهه متذمرين ومنتقدين وموبخين، فإنه سيكون ممتناً بالتأكيد وسيخجل أن يفعلها ثانية، لكنه بالتأكيد سيمرر لك “بسكويت” محروقاً أيضاً إذا أنت فعلت الشيء نفسه!! يجب ألا نرهن أصدقاءنا وصداقاتنا وسعادتنا بقطعة بسكويت محروقة أبداً!!
السلام عليكم موضوع رائع ومميز لتطرقه لامر مهم في سلوكياتنا على مدار الساعه ويقدمها باسلوب سهل وباشارات واضحه لايجابياتها وسلبياتها. ______________________________________ وليتنا نخرج المجاملات المهذبه والرقيقه (لامجاملات النفاق) من باب الكذب سواء كان ابيض او ملون. وليت احكامنا التي نصدرها على الناس لا تكون احكاما متسرعه على غيرنا من اول هفو تصدر عنه ، بل ننظر لايجابياته وسلبياته وايهم تطغى على الاخرى يكون الحكم بناء عليها علما ان الانسان الكامل غير موجود ، والتسامح مطلوب .