المتقاعسون
تابعت عن قرب حملة” سقياهم” التي انطلقت لإغاثة إخواننا في الصومال وضحايا الجفاف والمجاعة في القرن الأفريقي، والتي انطلقت بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله. وقد تابعنا من خلال هذه الحملة صوراً فريدة من صور حرص أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها على التخفيف من معاناة إخوة لهم تكالبت عليهم صروف الدهر من فقر وحرب ومجاعة. وقد كان أكثر ما يلفت نظر المرء تدافع الأطفال الصغار لتقديم ما حملته حصالاتهم ، من مال ضئيل لأجل أن يدخلوا قدراً من الفرح لأطفال يتربص بهم الموت في تلك البقعة من عالمنا العربي. ويسهموا في إيصال ما ينقذهم من شبح مفزع حصد العشرات من أطفال الصومال. كما كان بسطاء الناس يتقاطرون على مراكز تلقي التبرعات التي نشرتها هيئة الهلال الأحمر في المراكز التجارية في مختلف مناطق الدولة.
وقد كانت مشاهد مؤثرة تلامس القلب، وأنت تتابع هذه الأكف الصغيرة تتقدم لإفراغ ما في جيوبها وحصالاتها لأجل هذا الهدف الإنساني النبيل. وهو أمر ليس بالغريب في أرض غدت منارة للخير وعنواناً للعطاء. وهي دوما في مقدمة من يهب لنجدة المحتاج وإغاثة الملهوف أينما دعا داعي الواجب الإنساني. وقد أتيح لي يوم الخميس الماضي، وقد كان اليوم الأخير من الأيام الثلاثة للحملة، التواجد في استوديوهات تلفزيون أبوظبي، حيث كانت فعاليات الحملة تبث على الهواء مباشرة، وقد مددت لساعة إضافية. وقد شارك فيها مسؤولون وقيادات من “ الهلال الأحمر “ علماء دين وكتاب وأدباء. ومن وراء الكواليس كان فتية وفتيات من أبناء هذا الوطن المعطاء يشاركون كجنود مجهولين في التنسيق والإعداد لهذا الحدث الإنساني الكبير، وقد اكتسبوا خبرات تراكمت لديهم مع كل نشاط إنساني مميز كهذا.
وقد كان أكثر ما يثير الأسى والألم في قلوبهم وقلوبنا تقاعس عدد من كبار رجال الأعمال والشركات الكبيرة عن التفاعل مع الحملة. وهو تفاعل وطني وواجب ديني وشرعي، كما أكد عليه علماء الدين المشاركون في الحملة. كان البعض من هؤلاء لا يرد على اتصالات منسقي الحملة سواء من متطوعي” الهلال” أو مذيعي التلفزيون، والبعض وبالذات الشركات الكبيرة كانت مساهمتها دون المتوقع بكثير. صاحب إحدى الشركات التي تملك أكبر عدد من المراكز التجارية في العاصمة، وتعتبر وجهة مفضلة لسكان العاصمة لم يكلف نفسه عناء الرد على اتصالات الحملة.
وكلنا نعرف البيئة المثالية التي وفرتها الدولة لرجال الأعمال وللشركات العاملة المحلية منها أو الأجنبية، ونعلم كذلك أنها لا تفرض عليهم أي ضرائب من أي نوع، ومع هذا نجد أن الكثير من هذه الشركات والتجار ورجال الأعمال لا يتفاعلون مع الحملات الإغاثية أو البرامج الإنسانية بالصورة المطلوبة. في غياب عن تحمل المسؤولية المجتمعية كما نشاهدها في مجتمعات أوروبا والولايات المتحدة واليابان. ولا تجد من مبرر للمتقاعسين سوى عبارة” الدولة ما تقصر”، فمتى يقوم هؤلاء المتقاعسون بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم ويتفاعلون مع مبادرات بلادهم!!.