الخليجيون يتجهون باستثماراتهم نحو الهند هربا من الأزمة الاقتصادية العالمية
125 مليار دولار استثمارات خليجية * الدول العربية اجتذبت 5% من استثماراتها
براكريتي غوبتا
نيودلهي:
صعدت الهند كمركز استثماري جوهري بالنسبة للعالم العربي بعدما اكتوت بنار الاستثمار في الاقتصاديات المتقدمة في الغرب. طبقا لتقرير صادر عن «كيه بي إم جي»، وهي شركة هندية في مجال الاستشارات المالية والتجارية، فإن أكثر من 125 مليار دولار من الأموال الخليجية يجري استثمارها في الهند. وتتضمن القطاعات الكبرى التي نجحت في اجتذاب الاهتمام العربي البنية التحتية (بإجمالي تراكمي يبلغ 112 مليار دولار) والمناطق الاقتصادية الخاصة (12 مليار دولار) والمعالجة الزراعية والغذائية (900 مليون دولار) والعقارات (700 مليون دولار) والنفط والغاز (500 مليون دولار). وتشير تقديرات حكومية داخلية غير مؤكدة صدرت مؤخرا، إلى أن الإمارات العربية المتحدة استثمرت نحو 4.5 مليار دولار في الهند على امتداد الشهور القليلة الماضية. إلا أنه لم يتضح حجم الأموال التي جاءت عبر مسار مؤسسات استثمارية أجنبية وحجم الأموال التي جاءت في صورة استثمارات أجنبية مباشرة. بيد أنه الواضح أن الهند أصبحت من المناطق الجاذبة للاستثمارات الصادرة من دول الخليج. وكشفت دراسة أجرتها مؤخرا «كيه بي إم جي» بين شركات خليجية أن الهند واحدة من الدول الفائزة بالاستثمارات الخليجية على مدار السنوات الخمس القادمة. وأوضح 34 في المائة ممن شملتهم الدراسة أنهم يتطلعون نحو الهند كأفضل منطقة للاستثمار. والمستثمرون الكويتيون، الذين يبتعدون بمسافة أكبر جغرافيا عن الهند، أشاروا إلى أن الهند وجهتهم الاستثمارية المفضلة.
تشير الأرقام إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الصادرة عن الدول الخليجية إلى الهند شهدت زيادة ملحوظة خلال العالمين الماضيين، وذلك على صعيدي استثمارات الشركات الاستثمارية والأفراد، خصوصا مستثمرين من إمارة دبي. ومن بين كبريات المؤسسات العاملة في الهند حاليا «إعمار»، و«دبي هولدندغ»، و«شركة دبي للألمونيوم»، و«مدينة دبي للإنترنت»، و«شركة دبي للموانئ». ومن المنتظر أن تشرع «شركة موانئ دبي»، التي تقترب استثماراتها في الموانئ الهندية من مليار دولار، في المشاركة في نشاطات تشغيل موانئ للحاويات في عدد من الموانئ الهندية. ومن شأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المقدمة من الشركة تمكينها من السيطرة على أكثر من 50 في المائة من حركة شحن الحاويات في الهند.كما يبدي مستثمرون عرب حرصهم على الاستئثار بحصة من «كعكة» الاتصالات عن بعد المزدهرة في الهند. وتسعى شركتا «اتصالات» الإماراتية و«باتلكو» البحرينية إلى احتلال الريادة على هذا الصعيد. أيضا، ترمي «قطر تليكوم»، و«كيوتل» القطرية، إلى غزو السوق الهندية للاتصالات عن بعد.
في محاولة لإثبات رغبتها المشاركة في مشروعات تجارية، قدمت «اتصالات دي بي تليكوم»، وهي شركة مشتركة بين «الشركة الإماراتية للاتصالات عن بعد» و«ديناميكس بالواس غروب»، ومقرها مومباي، عربونا يبلغ 4.25 مليار روبية لمزادات حالية «3 جي». ورغم أن الشركة لم تقدم بالفعل بعد على تنفيذ مشروعات في البلاد، فإن هذه الأموال المدفوعة مقدما مكنت «اتصالات» من التقدم بعرض لشراء دوائر ضخمة. على الجانب الآخر، أعلنت «باتلكو» حرصها على زيادة حصتها في «إس تيل» بنسبة 6.3 في المائة.
من ناحيته، قال كيه بي فابيان، الذي سبق له العمل سفيرا للهند لدى قطر: «في أعقاب الركود الذي أصاب الغرب، باتت هذه التوقعات تحمل مزيدا من المصداقية. وفي خضم الأزمة المالية العالمية أدركت الهند أن المستثمرين الخليجيين بمقدورهم إمدادها باستثمارات ضخمة».
من المعروف أن الاستثمارات العربية التي تقدر بتريليونات الدولارات غير مخزنة داخل الدول الخليجية، وإنما في العواصم المالية في العالم مثل لندن ونيويورك وباريس وطوكيو وسنغافورة. وبدأت هذه الأموال العربية الضخمة التي تقدر بـ3.5 تريليون دولار في تحويل أنظارها باتجاه الهند. ويكمن وراء هذا التحول عدد من الأسباب الوجيهة، منها على سبيل المثال أن الهند تعد الوجهة الأكثر أمانا للاستثمارات، خصوصا القادمة من الدول العربية. ويعد النظام الهندي الديمقراطي وسوقها الضخمة والعائدات المرتفعة التي تحققها الاستثمارات بها مزيجا من العوامل يكفل سلامة وأمن الاستثمارات على المدى القصير والمتوسط والطويل. لا يتوافر أمام المستثمرين العرب مثل هذه الظروف المساعدة في أي دولة أخرى في العالم. علاوة على ذلك، يتولى إدارة البلاد حاليا رئيس الوزراء دكتور مانموهان سينغ، الذي يعد علامة بين الخبراء الاقتصاديين العالميين. وتتمثل ميزة إضافية في أن الهند تضم ثاني أكبر مجتمع مسلم على وجه الأرض. بيد أن الاهتمام العربي بالهند لم يقتصر على الشركات التجارية فحسب، وإنما أبدت الحكومات أيضا اهتماما كبيرا بها. على سبيل المثال، وقعت الحكومة الهندية مذكرة تفاهم مع السعودية وعمان لإنشاء صندوقين استثماريين بقيمتي 500 و100 مليون دولار على الترتيب.
طبقا لـ«لجنة التخطيط الهندية»، يحتاج قطاع البنية التحتية الهندي استثمارات بقيمة 514 مليار دولار على مدار السنوات الخمس القادمة. ويعادل ذلك قرابة 40% من إجمالي الناتج الداخلي الهندي، الأمر الذي يتعذر على الهند توفيره.وعليه، ما من خيار أمام الحكومة الهندية سوى التطلع نحو المستثمرين الأثرياء القادرين على العمل بمشروعات طويلة الأمد، وليس هناك على هذا الصعيد أبرز من صناديق الثروة السيادية الشرق أوسطية. إن ما تحتاجه الهند ليس منازل وهواتف وسيارات وغذاء أرخص فحسب، وإنما تحتاج البلاد أيضا إلى بنية تحتية من طرق سريعة ومطارات وموانئ وأنفاق وطرق تربط المدن المختلفة. وتدور جميع التقديرات الخاصة بهذه المشروعات في فلك مئات المليارات من الدولارات. وهنا، تظهر أهمية الاستثمارات العربية التي يمكن توجيهها للاضطلاع بمهمة بناء شبكة تربط مختلف جنبات الهند وتوفير حياة أفضل لملايين الهنود عبر توفير مزيد من فرص العمل.
وبالفعل، تركز الهند أنظارها على الشرق الأوسط. وقد بدأت الجهود بالفعل على المستويات العليا. وعلى هذا الصعيد، اتخذ سينغ ومجلس وزرائه بالفعل تحركات سريعة. خلال زيارته السعودية، على سبيل المثال، دعا رئيس الوزراء الهندي المستثمرين للمشاركة في بلاده. كما عقد وزير المالية اجتماعا بحضور مسؤولين في وزارته وممثلين عن دول خليجية وممثل عن «مصرف الاحتياطي الهندي».
وقال مصدر في وزارة المالية: «تتنافس الهند للحصول على أموال من الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات وعمان للمشاركة في خطط توسيع البنية التحتية». وقد بدأت بالفعل ثمار هذه الجهود في الظهور، حيث أعلنت عمان إنشاء «صندوق الهند - عمان الاستثماري المشترك» بقيمة تقدر بـ1.5 مليار دولار، الذي من المقرر أن يركز على الاستثمار في البنية التحتية الهندية.
ومن المتوقع أن تحذو قطر والسعودية حذو عمان، سعيا إلى إضفاء الطابع الرسمي على صلاتهم على امتداد المحيط الهندي التي شهدت تناميا سريعا من حيث الأهمية على امتداد العقد الماضي. رغم تركز العلاقات الهندية - الخليجية حول النفط، فإنها لا تقتصر عليه بأي حال من الأحوال، حيث تضمن الجالية الهندية الكبيرة العاملة في الخليج تدفقا لأموال الحوالات على الهند قادمة من المنطقة. إلا أن الرضا لا يساور الجميع بعد، فمثلا أوضح سوناندا راجندران، المدير التنفيذي لغرفة التجارة الهندية - العربية ومقرها مومباي، أن الاستثمارات الخليجية في الهند جاءت أقل بكثير من التوقعات حتى الآن.
المثير أن الهند لديها استثمارات مباشرة لدى العالم العربي ضعف الاستثمارات على المسار المقابل. وكشفت دراسة صادرة عن «اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية» أن المنطقة العربية اجتذبت 5% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التراكمية الهندية منذ عام 2000، معظمها في مجال الطاقة، يعقبها مجال الخدمات. ونوهت الدراسة بأن هناك 157 مشروعا مشتركا مع السعودية فقط.