لماذا تنتشر الشكاوى بين الموظفين؟
يتحدث بعض الشباب عن نوع من المعاناة في أماكن العمل، فهم من وجهة نظرهم لا يحظون بامتيازات جيدة، وأحياناً لا يحظون بفرص عمل وترقٍ تتناسب وإمكاناتهم، ولكل ما قدموه من إثباتات على تميزهم وإخلاصهم، وهذه شكوى عامة ومستشرية، إذا جاز استخدام هذا الوصف، بمعنى أنها منتشرة في بعض بيئات، ومكاتب ومؤسسات العمل.. وفي ظني الخاص، أن السبب يعود لأمرين: الأول له علاقة بنوعية الإدارة، والثاني له علاقة بنوعية الموظفين أنفسهم.
العلاقة بين طرفي المعادلة، أي بين المدير أو المسؤول والموظفين، غير صحية في كثير من المؤسسات، وحين تختل العلاقة تظهر السلبيات وتعلو الشكوى. الشكاوى التي يتحدث عنها الموظفون، يمكن حصرها كالتالي: عدم تقدير المتميزين، التهميش والإقصاء، التجميد الوظيفي في حالة مخالفة الرأي أو إبداء رأي معارض لرأي المدير أو المسؤول، إعطاء الأولوية في الترقيات لغيرهم في كثيرٍ من الأحيان بسبب سيطرة نمط الإدارة الشخصية المستندة إلى مزاج المدير وعلاقاته الشخصية، تحول المؤسسة إلى ملكية خاصة لبعض من المسؤولين بسبب طول بقائهم في الوظيفة، استغلال الوظيفة.
بلا شك، فإن هذه القائمة ليست شكاوى، بل هي ظواهر رداءة، وعدم حرفية في بيئة العمل، وهي قائمة سيئة يمكن أن توجد في كل مكان في العالم، لكنها تزداد وتتفشى في عالمنا الثالث لأسباب نعرفها جيداً، ونحتاج لتجاوز هذه الممارسات الخاطئة وغير الصحية والتي غالبا ما تؤثر على آلية وسير العمل !!
الخطأ في مؤسسات العمل وفي الوزارات والمكاتب ليس خطأً في حق الموظف، بل هو في المقام الأول خطأ في حق الوطن والمواطن ومسيرة نماء المجتمع، وهنا فلا يجوز أن يسكت الموظف على الأخطاء التي يلمسها ويلحظها ولا يجهر بالشكوى إلا حين تطاله هو شخصياً، هذا هو الجانب الذي له علاقة بالموظفين، وهنا يكون للموظف دور في شيوع الأخطاء والتجاوزات حين يصمت ويسكت ويخاف، فلا يتحدث ولا يدل على الخطأ خوفاً على مركزه أو مصالحه أو علاقاته، لكنه بمجرد أن يحترق بنيران التجاوز يسرع لأقرب جريدة أو صحفي..
كسر طوق الخوف أول خطوة في طريق المساهمة بتعديل الأوضاع وعلاج الخلل، فلا يمكن أن يعيش الموظفون في ظل الخوف، ثم يتصور أنه يمكن أن يحققوا التقدم والازدهار، فالخوف يفرخ الأخطاء والفساد والانحرافات، والخوف يحمي الفساد والتجاوزات ويطيل في عمرها، والذين يخيفوننا يعلمون نقطة ضعفنا هذه، فيمعنون في بقائنا في منطقة الخوف كي يستمروا هم في استغلال وظائفهم واستغلالنا.
في مجتمعنا، موظفون جيدون وصالحون، وهم كثر بالتأكيد، لكن الأشهر القليلة الماضية كشفت عن بعض المتجاوزين، وهو أمر طبيعي في مجتمع يعج بثقافات متباينة ونوازع ومصالح، مع ذلك فإنه يتوجب علينا أن نجاهر بالتصدي للخطأ منذ بداياته، وهذا يحتاج لشجاعة أولاً، ويحتاج إلى وعي ومعرفة ثانياً، فالخائف لا يمكنه أن يدافع عن أي قضية مهما صغرت، والجاهل بحقوقه وبمؤسساته القانونية كذلك لا يمكنه أن يسترجع حقوقه.