عندما أظلمت الدار

عندما أظلمت الدار وبكى العالم

سبع سنوات مضت، والغائب حاضر في قلوبنا، وذكراه وآثار أعماله الجليلة الطيبة ماثلة أمامنا، في كل حبة رمل وحجر على صرح شاده بالعزيمة والإصرار، والحكمة والبصيرة الثاقبة، وامتدت أياديه البيضاء إلى أصقاع الأرض من دون أن تفرق بين عرق ولون ومعتقد، فهذا زايد بن سلطان آل نهيان القائد المؤسس طيب الله ثراه من عظام الرجال والقادة الأفذاذ قلما يجود بهم الزمن.
سبع سنوات مضت منذ أن دهمنا الخبر الفاجع، ونحن في قاعة التحرير، ليغمرنا حزن وألم الفقد، وإذا بوكالات الأنباء تمطرنا بسيل من الأخبار والتقارير، كلها تتمحور حول شخصية القائد الذي أسس دولة ونحت لها مكانا رفيعاً بين الأمم وصنع لها شأنا عظيماً بين الدول. وبين الدمع والألم وسط كل ذلك الكم من التقارير، كأن المرء يغالب أحزانه ليمضي في عمله وبذله وعطائه، فهكذا علمنا القائد الراحل الذي ما زالت كلماته تدوي في أسماعنا بأن “لا شيء مخلد إلا العمل والوطن”. وتحولت قراءة تلك التقارير في سيرة المجد والإنجاز إلى شعور بالفخر والاعتزاز، أن يكون المرء جزءاً من قصة تطورت أمام ناظريه. كم لبثنا من سنين، ونحن نرى الراحل الكبير يروي بالعزيمة والحكمة والإرادة القوية شجرة الاتحاد، لتغدو يانعة باسقة مثمرة. ويعلمنا قهر المستحيل، وتصبح كتاباً مفتوحاً في بناء الأوطان على أسس قوية راسخة من قيم العطاء والتسامح والتعايش.
وتوالت علينا شهادات رجال عرفوا رجلاً أظلمت الدار برحيله، وبكاه البشر والحجر والطير والعالم، رجال اقتربوا من القائد المؤسس وكانوا من أقرب مساعديه، يتحدثون عن خصاله الفريدة، حدثنا أحدهم عن القائد الذي لم يطب له المجلس؛ لأنه اعتقد أنه أغضب طفلاً لم “يواجه بالخشم”، خشية أن ينقل إليه الزكام، فلما سعد الطفل سعد هو. وحدثنا عن مجافاة النوم لباني الدولة، بعد أن سمع بظلم وقع على موظف وافد، ولم يغمض له جفن إلا بعد أن أعيد ذلك الموظف البسيط إلى عمله وسكنه وصرفت له مخصصاته ومستحقاته كافة. وروى ثان قصة ذهول صاحب مطعم في أحد البلدان الأوروبية من رفق زايد بالحيوان عندما دعاه زايد لتأمين طعام للطيور السارحة عند مطعمه، وعلى نفقة زايد العطاء رحمه الله.
وذات مرة، لحق به صحفي غربي في مقناصه بمنطقة رحيم يار خان في باكستان، ووجده فرداً من المجموعة، وهو الرئيس والقائد، والمنطقة تمر بظرف دقيق، فقال له، رحمه الله “إنني أنظر لشعبي، كما أنظر لأبنائي وكل فرد في أسرتي، أوفر لهم كل شيء، ولذلك فإنني مرتاح وهم كذلك”. وقال رئيس دولة عربية سابق في شهادته “بالنصائح التي زودني بها زايد، تصالحت مع جيراني وتفرغت لتنمية بلادي”. إنها صور متسارعة عن شهادات بحق إنسان وأب وقائد رحل عنا، وحبه ومكانه في قلوبنا لا يتزحزح، فشرواك يا زايد ُيفتقد. والله نسأل أن يتقبله في الفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء والصديقين، وأن يبارك لنا في خليفة الخير وإخوانه الميامين.

رحمة الله عليه