زايد لن يُنسى
الصورة لا زالت في مخيلتي... كنت في صالة المطار في طريقي إلى مكة المكرمة لأداء عمرة رمضان، وجلست بجانبي سيدة من الإمارات تتحدث عبر هاتفها، وفجأة بدأت السيدة في البكاء الصادق والحار، لم أتمالك نفسي من سؤالها، وقلت عسى ما شر؟ فقالت مات زايد.
لماذا بكت هذه السيدة وغيرها من الناس لوفاة زايد يرحمه الله؟ سؤال لن يبقى محيراً، فقد ملك زايد قلوب أهل الإمارات كافة وغيرهم من العرب، لأنه كان حاكماً صادقاً مع شعبه وأمته. أقول هذا والأمة العربية في تاريخها الذي نعيشه تنبذ خبثها، فغير زايد من زعماء العرب الذين تسلطوا على الناس بالقبضة الحديدية، رأيناهم اليوم بين هارب مطارد مطلوب للمحاكمة من قبل شعبه، وآخر يحاكم وهو على سرير المرض بعد أن هتف شعبه في وجهه قائلاً:"الشعب يريد إسقاط النظام". وآخر تدك قواته مدن جماهيريته التي شيدها على غير هدى، ومنهم من أرسل دباباته كي يوقف صوت الحرية... والقصة لن تنته عند هذا الحد.
في خضم كل ما نعيشه اليوم من صراع بين الحاكم والمحكوم في أمة العرب، تبقى شمس زايد ساطعة في كل بيت، فكلما ذكر ترحم عليه الناس. ودعوا الله تعالى أن يجزيه عنهم خير الجزاء. ولا عجب في ذلك، فرغم أن حكمه للإمارات لم يتجاوز العقود الثلاثة، فإن ما تحقق على أرض الوطن، لا يستطيع أن ينكره إلا جاحد.
فقبل الاتحاد، لم تكن الإمارات شيئاً يذكر، فحكم زايد أبوظبي، وكان همه أكبر من ذلك فدعا قادة المنطقة إلى اجتماع موسع كي يكون اتحاداً يجمع مع دولة الإمارات حالياً دولة قطر ومملكة البحرين. لكن لعوامل متعددة كانت الإمارات على صورتها الحالية. الدرس في ذلك يتمثل في أن القوة تكمن في الوحدة التي تناساها العرب اليوم.
بعد قيام الدولة كان همه يرحمه الله منصباً على الإنسان الذي من حقه أن يتعلم، ويكون في صحة وعافية، وتتحقق له متطلبات التنمية المختلفة، فكان هذا الأمر واقعاً وليس شعارات كما هو الحال في بقية دول العرب.
زايد كان يؤمن بالشورى الفعلية وليس الرمزية، فكان يشاور عقلاء الأمة من شيوخ القبائل وحكماء الناس، أما لكع بن لكع، فلم يكن له حق في المشورة عند زايد. فكانت القرارات التي يتخذها تصب في مصلحة الإنسان والأوطان. والأمن والأمان في مدرسة زايد لا يتحقق باضطهاد الإنسان، بل بإكرامه واحترامه، فكان العدل أساس ملكه، والكرم منهجه في حياته مع شعبه. ووفق كل ما سبق أن مدرسة زايد خرّجت قادة للأمة على نهجه سائرون.
فتحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله وإخوانه حُكام الإمارات تجد أن الراية ما زالت مرفوعة، والإنجاز قد تسارعت خطواته، فالإمارات اليوم تعد واحدة من أفضل الدول، التي يحلم العرب أن تكون دولهم على نهجها... رحم الله الشيخ زايد، وسدد خطى أبنائه لما فيه خير البلاد والعباد.