إعلام... صائم!
لعل من يتابع حجم النقد الذي يوجه إلى البرامج الإعلامية في رمضان محليّاً، خليجيّاً، أو عربيّاً يخرج بنتيجة مؤداها، إغلاق التلفاز والسلام إلا من لافتة إعلانية بارزة على الشاشة تفيد بأن "الإعلام صائم". وهذا الانطباع لا يعالج القضية التي يراد التوصل إليها، من خلال النقد غير المنصف أحياناً لتفاصيل بعض البرامج في رمضان، وها نحن نقترب من نهاية الشهر ولم نطلع إلا على نزر يسير من الثناء على بعض البرامج من الباقة الرمضانية الثرية والمكثفة.
قد يظن البعض أن البرامج الرمضانية يجب أن تكون مفصلة على مقاس الشهر الفضيل بكل جزئياته، في حين وجود مساحات رمضانية كبيرة متاحة لمن له الرغبة في البحث عن الجزء الديني في رمضان، بل إن هناك بعض القنوات المتاحة التي تغرق في الدين إلى درجة تشعر من خلالها أن الدنيا مطرودة إن لم تكن "ملعونة" في رمضان مع أن الدين الإسلامي هو الذي برع في الموازنة بين الدين والدنيا في كل مجالاته سواء التعبدية أو الجانب الخاص بالمعاملات أو بالمعاش وهو يمثل أكثر من 90 في المئة من حياة الناس منذ الاستيقاظ إلى النوم.
إن استياء البعض مما يقدم في مختلف أجهزة الإعلام في رمضان في الإقرار بأن جل ما يعرض سيئ، قد لا يكون في محله، لأن الأمر بالنسبة للمشاهدين بمختلف أذواقهم ليس كذلك، فالحدية في النقد لأي برنامج تلغي نسبية الحكم. والذي يزيد من حدة طبع البعض في النقد اللاذع وحبه لذلك الجانب وشغفه به، هو عدم وجود دراسات علمية واستطلاعات رأي على درجة من الحياد لإبراز كافة جوانب القصور إن وجدت وتلافيها في السنوات القادمة، وذلك تجنباً للبعد الشخصي في النقد المباشر لكل ما يعرض في هذا الشهر الكريم.
والإعلام العربي بشكل عام يلام أيضاً لأنه لا يفتح الباب لعقد ندوات علمية تناقش كافة جوانب الإنتاج الفني لأي عمل يراد عرضه وتخصيصه لرمضان، مع الاستعداد لأي عمل آخر، يبدأ مع انتهاء رمضان، فما بين الرمضانين مساحة كافية لتجويد أي عمل فني يأخذ حقه من الأخذ والرد قبل عرضه على الجمهور الذي ينتظر الجديد بفارغ الصبر.
والنقد العاطفي هنا لا يكفي لتلافي النواقص وتراكم الإيجابيات في أي عمل على الشاشة الفضية أو عبر الأثير، لأن الأمر بحاجة إلى معرفة دقيقة بالكثير من المعلومات التي قد لا يملكها الناقد الانطباعي أثناء ممارسته النقد، لأنه لو عرف ذلك مبكراً لأعذر بعض منتجي البرامج في إخراج جزء من أعمالهم بصورة قد لا تعجب أو ترضي المنتج نفسه أحياناً.
وهناك إشكاليات تواجه المنتج الإعلامي العربي من قبيل طبيعة الواقع المجتمعي، وضعاً في الحسبان مساحات التعبير المتاحة والتابوهات الدينية إضافة إلى الموروثات من العادات والتقاليد المقيدة للحراك الإعلامي المفتوح وإن كنا نظريّاً نتحدث عن السماوات المفتوحة إلا أن بعض العقول لا زالت مغلقة وتبحث عن الهنات وليس الإيجابيات وإن كانت طاغية. وفي هذه الحالة هناك من الناس من لا يعجبهم شيء، وحتى لو التزمت بعض القنوات بآداب الصيام وأخلاقياته فإنك ستجد من يرى خلاف ذلك. فهذه الجدلية لن تنتهي وستبقى آثارها السلبية واضحة سواء من خلال المقال أو في أحاديث الناس السيارة، فكيف ونحن نعيش اليوم عصر اندماج وسائل الإعلام في وسيلة واحدة تقرأ وترى وتسمع من خلال الكم الهائل من شحنات النقد غير البناء وهو الغالب على الطرح لأن هناك من يستمتع بهذا النهج من النقد الذي يرضي حاجة نفسية في داخله وهو ما يمكن التحكم فيه عقلاً لا منطقاً.