اختراق منظمة "جي ستريت"!
بدأت منظمة "جي ستريت" الصهيونية الأميركية "المعتدلة" تنافس لجنة الشؤون الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامة "آيباك" اليمينية المتشددة التي تعتبر واحدة من أقوى إن لم تكن أقوى منظمات اللوبي في واشنطن. وتتبنى "جي ستريت" سياسات تختلف عن تلك التي تتبناها "آيباك" والحكومة الإسرائيلية، وهي تدعم سياسات الرئيس الأميركي (أوباما) فيما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، نتذكر الرسالة التي وجهتها "جي ستريت" إلى أوباما وامتدحت فيها عزمه على أن يلعب دوراً أميركيّاً قياديّاً في السعي إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط والتوصل إلى حل مبني على أساس دولتين مستقلتين إسرائيلية وفلسطينية، مركزة على أن تحقيق هذه التوجهات يخدم المصالح الاستراتيجية الأميركية المباشرة، والمتوسطة، وبعيدة المدى.
في سبتمبر المقبل، سيطلب الفلسطينيون من الأمم المتحدة الاعتراف بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة. ولعل أحد أبرز بواعث المبادرة الفلسطينية، المدعومة بإجماع رسمي عربي، هو الاقتناع المتزايد بأنه لا يمكن التوصل إلى "اتفاق سلام" مع حكومة ائتلاف اليمين الإسرائيلي المتطرف بزعامة نتنياهو. وقد تأكد هذا الاقتناع منذ تأليف هذا الأخير لحكومته وطلبه الاعتراف بأن تكون إسرائيل دولة "الشعب اليهودي"، وتكثيفه سياسة الاستعمار/ "الاستيطان" وبالذات تركيز "الاستيطان" في القدس الشرقية، وإعلانه أن "القدس الموحدة لن تقسم أبداً وستظل عاصمة إسرائيل إلى الأبد"، ناهيك عن موقفه بالغ الرفض لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين. وفي مواجهة هذه المواقف، إسرائيليّاً، جاءت حملة "جي ستريت" الهادفة إلى ممارسة الضغط على أوباما ونتنياهو وحتى على عباس للشروع في مفاوضات فورية، على أسس محددة، منعاً لخطوة سبتمبر. ومن ضمن حملة "جي ستريت"، برز مؤخراً قيامها بتنظيم لقاءات لنخبة من السياسيين الإسرائيليين على أساس خيار "حل الدولتين". وهؤلاء السياسيون الإسرائيليون هم ممن لم تطغ عليهم أفكار اليمين والعنصرية وممن يمتلكون صوتاً سياسيّاً مؤثراً ومن أبرز هؤلاء: الجنرال "شلومو غازيت" رئيس الإدارة المدنية الأسبق، و"جلعاد شير" رئيس لجنة التنسيق للسياسة أثناء حكومة "إيهود باراك"، و"آلون باروخ" سفير إسرائيل في جنوب إفريقيا، حيث بادر هؤلاء وآخرون، بالتعاون مع اللوبي "جي ستريت"، بزيارة واشنطن وعقدوا لقاءات مع العديد من المؤسسات والمنابر ومراكز القرار في الإدارة الأميركية للمطالبة بتطبيق خيار "حل الدولتين" على حدود 1967 وبأسرع وقت ممكن لتجاوز -ما يعتقدونه- كارثة محققة لإسرائيل تلوح في الأفق.
وفي ندوة لمعهد "بروكنجز" في واشنطن، حذر هؤلاء من مغبة "بقاء الجمود الحالي والسماح لنتنياهو بالإبقاء على الوضع الراهن لاعتقاده بأن هذه الأوضاع تخلق واقعاً يصعب تغييره تعزيزاً لمصلحة الاستيطان". ونبه "شير" إلى أن "هذه اللحظة تعتبر الأدق في تاريخ إسرائيل، وأن غض الطرف عما يجري من جمود في التفاوض والاستمرار في الاستيطان سيأتي بعواقب وخيمة على إسرائيل وخاصة أن الكل يعرف، بشكل أو بآخر طبيعة وأطر الحل النهائي، وأين ستقوم الدولة الفلسطينية، وأنه في النهاية لابد لإسرائيل من الانسحاب من الأراضي المخصصة لقيام دولة فلسطينية". وشدد "شير" على أن: "قيام دولة فلسطينية على الأرجح يجلب الأمن لإسرائيل وليس العكس، حيث أثبت الفلسطينيون أنهم شريك كفؤ في نطاق ممارسة مهنية لأجهزة الأمن والتزامهم باتفاقات التنسيق الأمني (مع إسرائيل) ببراعة". أما "غازيت" فقد فند ادعاء الحكومة الإسرائيلية (والذين يؤيدونها بشكل أعمى) بأن "حدود عام 67 حدود يصعب الدفاع عنها، وأنه كلام فارغ في عهد الصواريخ والطائرات بدون طيار والتكنولوجيا الحديثة"، وأضاف أن: "المشكلة ليست مع الفلسطينيين أو العرب. المشكلة في حقيقتها تكمن فينا، في إسرائيل حيث إن بقاء إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية بات في خطر محدق. ولو قرر الفلسطينيون اليوم التخلي عن سعيهم وراء دولة مستقلة والعمل من أجل أن يكونوا مواطنين تحت السيطرة الإسرائيلية فإن إسرائيل بشكلها الراهن ستنتهي". ولعل أهم ما قيل جاء على لسان السفير الإسرائيلي الأسبق في جنوب إفريقيا "باروخ" حين أوضح: "مثال جنوب إفريقيا مهم لأن أحداً لم يتخيل في نهاية ثمانينيات القرن الماضي زوال نظام الأبرتهايد ولكنه حدث. الأمثل لإسرائيل هو الإسراع بتنفيذ ما يؤمن به العالم بأكمله بضرورة قيام دولة فلسطينية وبسرعة قبل فوات الأوان".
وفي إطار رد المشاركين على أسئلة من القدس بخصوص طبيعة مهمتهم في واشنطن، ومن يرعاهم، ومدى إيجابية الاستقبال من قبل الكونجرس الأميركي لهم أو من يلتقوهم في اجتماعاتهم المتعددة، قال "باروخ": "نحن هنا في ضيافة منظمة "جي ستريت" التي تؤمن بالسلام وحل الدولتين ولكننا لا ننتمي إليها، وإننا سنزور كل المدن المهمة في الولايات المتحدة بهدف مخاطبة الجالية اليهودية الأميركية بصراحة حول هذه النقطة وضرورة تعبئة جهودها لدعم فكرة حل سلام يقوم على أساس الدولتين وأساس الانسحاب إلى حدود 67، حيث إننا نعلم أن أغلبية اليهود الأميركيين هم من الليبراليين الذين يتبنون المواقف الصائبة، ويعلمون أن حل الدولتين هو في خدمة ومصلحة إسرائيل". وأهاب والوفد المشارك بأوباما: "تركيز اهتمامه على فحوى خطابه الذي ألقاه في 19 مايو الماضي عندما تحدث عن دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وتعبئة الطاقات لتنفيذها حيث إن الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة التي تستطيع تحقيق ذلك". ويتناغم هذا الاستنتاج مع حقيقة كشف عنها استطلاع كانت قد أجرته مجموعة "جي ستريت" نفسها حيث تأكد أن 56 في المئة من يهود الولايات المتحدة سيعطون أصواتهم لأوباما في انتخابات 2012. وفي هذا السياق، استخلصت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، الأوسع انتشاراً، أنه على رغم العلاقات الباردة بين أوباما ونتنياهو فإن معظم يهود الولايات المتحدة سيؤيدون الرئيس الأميركي الحالي (من الحزب الديمقراطي) على أي مرشح من الحزب الجمهوري المنافس. وفي الأصل، وفي المبتغى، هذا ما يسعى إليه اللوبي اليهودي "المعتدل" والأحدث "جي ستريت".