مسؤولية المثقفين:
واليوم وقد كَثُر المتخرِّجون من الكليات والجامعات والدِّراسات العُليا، فإنَّ من الجدير بهم أن يلتفتوا إلى المؤلَّفات العظيمة التي خلَّفها علماءُ المسلمين، وأسهموا بها في نشْر المعرفة، وخِدمة الدِّين الإسلامي الحنيف، وراموا من ورائها العملَ على إسعاد البشرية في الدَّارين، وإنَّ المخطوطاتِ الهائلةَ التي تزخر بها دُور الكتب في إستنبول والقاهرة، ودمشق والمدينة، والرباط ولندن، وباريس وهولندا، وغيرها في حاجة إلى مَن ينفضُ غبارَها، ويحقِّقها وينشرها، وإذا كان الغربيُّون بدافع من التعصُّب قد تجاهلوا دَوْر العرب في العلوم والمعارف المختلفة، ما عدا النزر القليل، فإنَّ في إظهار تلك الكتب وإبرازها على أوسع نِطاق ما يدحض مزاعمَ أعداء الإسلام مِن رَمْي المسلمين بالتخلُّف والجهل، فعسى أن يقوم المثقَّفون بواجبهم حِيالَ هذا العمل الخطير.
العلماء ورثةُ الأنبياء، وقد خَدمُوا العلم ورَوَوْه وحقَّقوه، واعتنوا بالتفاسير والأسانيد والرِّوايات، والجَرْح والتعديل، والفقه والاختلاف، والاجتهاد والقياس، والاستنباط والغريب، واهتمُّوا باللغة نحوًا وصرفًا، وضبطًا وأدبًا، وصنَّفوا في التاريخ فأجادوا، وفي التراجم والسير والطب، والتقويم والفلك، وسواها، وكانت مؤلفاتهم نبراسًا وصوى على الطريق، وإنَّ آدابهم ومحاوراتِهم، ومجالسهم وتدريسهم من أجلِّ ما رواه التاريخ، ودوَّنتْه الأقلام، فما بال البعض يُعرِض عن هذا التراث الجيِّد، ويعشق الضباب والسراب، ويحسب الورم شحمًا، والهذيان علمًا؟!