مشاغل الحياة:
شغلتْنا هذه الحياة، وجرَّت علينا الحضارة الحاضرة مشكلاتٍ كبيرة؛ وغفلنا عن حقوق كثيرة، وواجبات عديدة، ومستحبَّات مأثورة، وحياة المدن العاجَّة بالناس، والمتطلبات والمشاغل تكاد تَحرِم الإنسان من قيامه بمسؤوليات عِدَّة، إن لم تكن حَرمتْه منها فعلاً، ومن ذلك حقوقُ الجيران بعضهم على بعض في التعارُف والتزاور، والصِّلات والمشاعِر والتفاهم، فقد كان الناس يهتمُّون بالجار، ويحرصون عليه، ويسألون عنه إذا غاب، ويَدْعُونه ويدعوهم، ويزورهم ويزورونه، ويعرف بعضهم أحوالَ بعض، ويتفقَّد بعضُهم بعضًا، ويتألَّم المرءُ منهم لألَم الآخر، ويحسُّ كأنه قريب له، أو أشدّ.
ولكن تلك الخِلال الحسنة قد أوشكتْ على الاختفاء، فترى بعضَ الجيران تمضي عليهم الشُّهور والأعوام، وهم لا يتعارفون ولا يتزاورون، ولا يهتمُّ بعضُهم ببعض.
لقد حثَّ الإسلام على إكرام الجار، والقيام بحقِّه، وأوصى جبريل به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى ظنَّ أنه سيورِّثه منه، وجعل إكرامَه من مستلزمات الإيمان بالله واليوم الآخر.