لا تغضب:
قال رجل للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أوصني، قال: ((لا تَغضبْ))، فردَّد الرجل طلبَه، وكان الرسول يردُّ عليه بنفس الكلمة: ((لا تغضب))، إنها وصية جامعة، وقد أُعطي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - جوامعَ الكَلِم، فكانت كلماته على قلَّتها شاملة لمعانٍ كثيرة، وفوائدَ عظيمة، وهذه واحدة منها، فالغضب قد يكون لأسباب تافهة، وأمور سهلة لا تستدعي الغضب، ولا تحتاج إلى المخاصَمة، ولو فكَّر الغاضِب في نتائج غضبه، وما قد يجرُّ إليه من مضارَّ ومفاسدَ، لَأَقلعَ عن غضبه، ولاستبدلَ عن الكلمة الخَشِنة البذيئة الكلمةَ الحلوة الهادئة الرقيقة، ولأدرك أنَّ الغضب إنَّما يُسبِّب الشرور والفِتن، وأنَّ الكلمة الصائبة الواعية المقنِعة هي المثمرِة، وذات النتائج الحسنة، والفائدة المرجُوَّة.
إنَّ الذي ينقاد لغضبه يصبح مكروهًا مبغَضًا، ينفر الناس منه، ويبتعدون عنه، ويُحذِّر بعضُهم بعضًا من التعرُّف عليه، أو الاقتراب منه، ولو أنَّه تطلَّع إلى وجهه في المِرْآة في إبَّان غضبِه، ورأى الصورةَ البشِعة التي تحوَّل إليها وجهُه، والحركات المضطربة بعضلاته ويديه، والارتعاش لجسده كله، لَسَخِر من نفسه، ومِن حاله السيِّئة.
أجَلْ، فليس الجدير بالمدح لقوَّته الجسدية مَن كان يصرع الناس، ولكن مَن يملِك نفسَه عند الغضب.
♦ قال أبو الدرداء:
أقرب ما يكون العبدُ من غضب الله إذا غَضِب.
♦ ويقال: خمس خصال تكون في الجاهل: الغضب في غير مغضب، والكلامُ في غير نفْع، والعَطية في غير موضع، والثِّقة بكلِّ أحد، وأنَّه لا يعرف صديقه من عدوِّه.
♦ قال الشاعر:
صَبَرْتُ عَلَى الْأَيَّامِ حَتَّى تَوَلَّتِ
وَأَلْزَمْتُ نَفْسِي صَبْرَهَا فَاسْتَمَرَّتِ
وَمَا النَّفْسُ إِلاَّ حَيْثُ يَجْعَلُهَا الْفَتَى
فَإِنْ أُطْمِعَتْ تَاقَتْ وَإِلاَّ تَسَلَّتِ
♦ أسمع رجلٌ عمر بن عبدالعزيز كلامًا، فقال: أردتَ أن يستفزَّني الشيطان، فأنال منك اليومَ ما يناله مني غدًا، انصرفْ رحمك الله.
♦ قال الحسن: إنَّما تَعرِف الحليمَ عند الغضب، فإذا لم تغضبْ لم تكن حليمًا.
♦ ويقال: ثلاث مَن كنَّ فيه استكمل الإيمان: مَن إذا غضب لم يُخرجْه الغضب عن الحقّ، ومَن إذا رضي لم يخرجه رضاه إلى الظُّلم والباطل، ومَن إذا قَدَر لم يتناول ما ليس له.
♦ ويقال: حِلمك عمَّن دونك ساترٌ عليك عيبَ الذلِّ لمن هو فوقَك.
♦ وقال الشاعر:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ سَيْرَ الْخَيْرِ رَيْثٌ
وَأَنَّ الشَّرَّ رَاكِبُهُ يَطِيرُ
♦ وقف رجلٌ على عامرٍ الشعبيِّ فلم يَدَعْ قبيحًا إلا رماه به، فقال له عامر: إنْ كنتَ كاذبًا فغَفَر الله لك، وإن كنتَ صادقًا فغفر الله لي.
♦ قال عبدالله بن المقفَّع: إنَّك إن تلتمسْ رضاء جميع الناس، تلتمسْ ما لا يُدرك، وكيف يتَّفق لك رأيُ المختلفين؟!
وما حاجتك إلى مَن رضاه الجور، وإلى موافقة مَن موافقتُه الضلالة والجهالة، فعليك بالْتماسِ رضاء الأخيار منهم، وذوي العقل، فإنك متى تُصبْ ذلك تضعْ عنك مؤونة ما سواه.
♦ أسْمع رجلٌ ابنَ هبيرة كلامًا يكرهه، فأعرض عنه، فقال الرجل: إيَّاك أعني، فقال ابن هبيرة: وعنك أُعْرِض.
♦ شتم رجلٌ أبا ذرّ، فقال أبو ذرّ: يا هذا، لا تُغرِق في شَتْمنا، ودعْ للصلح موضعًا، فإنَّا لا نكافئ مَن عصى الله فينا بأكثرَ من أن نطيع الله فيه.