العفو أولى:
عَزَم عبدالله بن عليٍّ على قتْل بني أميَّة بالحجاز، فقال له عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم -: إذا أسرعتَ بالقتل في أكفائك، فمَن تُباهي بسلطانك؟! فاعفُ يَعْفُ الله عنك.
♦ ودخل ابن خزيم على المهدي - وقد عَتَب على بعض أهل الشام، وأراد أن يُغزيهم جيشًا، فقال: يا أمير المؤمنين، عليك بالعفو عن المذنب، والتجاوز عن المسيء، فلأنْ تُطيعَك العرب طاعةَ محبَّة، خيرٌ لك من أن تطيعَك طاعةَ خَوْف.
♦ كان معن بن زائدة قد أمر بقتْل جماعةٍ من الأسرى، فقام إليه أصغرُ القوم فقال: يا معنُ أتقتل الأسرى عطاشًا؟ فأمر لهم بالماء، فلمَّا سقوا، قال: يا معن: أتقتل ضِيفانَك؟! فأمر معن بإطلاقهم.
♦ أمر عمر بن عبدالعزيز بعقوبة رجل، فقال له رجاءُ بن حَيْوة: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله قد فَعَل ما تحبُّ من الظفر، فافعلْ ما يحبُّ من العفو.
وقال رجاء بن حَيْوة لعبدالملك بن مرْوان في أسارى ابن الأشعث: إنَّ الله قد أعطاك ما تحبُّ من الظفر، فأعطِ اللهَ ما يحبُّ من العفو.
♦ قال المأمون لإسحاق بن العباس: لا تحسبني أغفلتُ إجلابَك مع ابن المهلب، وتأييدك لرأيه، وإيقادك لناره.
قال: يا أمير المؤمنين، واللهِ لإجرامُ قريش إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعظمُ من جُرْمي إليك؛ ولرَحِمي أمسُّ مِن أرحامهم؛ وقد قال كما قال يوسف لإخوته: ﴿ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]، وأنت يا أميرَ المؤمنين، أحقُّ وارثٍ لهذه المنَّة، وممتثل بها.
قال: هيهات، تلك أجرام جاهلية عفَا عنها الإسلام، وجُرْمك جرم في إسلامك، وفي دار خلافتك!
قال: يا أمير المؤمين، فوالله لَلمُسلمُ أحقُّ بإقالة العَثْرة، وغفران الزلَّة من الكافر، هذا كتاب الله بيني وبينك، يقول الله - تعالى -: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين ﴾ [آل عمران: 133 - 134]، فهي للناس يا أميرَ المؤمنين سُنَّة دخل فيها المسلِم والكافر، والشريف والمشروف.
قال: صدقتَ، اجلس وَرِيت بك زنادي، فلا قدح زنادي من العابرين من أهلك أمثالك.
♦ قَتَل رجلٌ من العرب ابنَ أخيه، فدُفع إلى أخيه لِيَقيده، فلمَّا أهوى بالسيف أُرعدتْ يداه، فألقى السيف من يدِه وعفا عنه، وقال:
أَقُولُ لِلنَّفْسِ تَأْسَاءً وَتَعْزِيَةً
إِحْدَى يَدَيَّ أَصَابَتْنِي وَلَمْ تُرِدِ
كِلاَهُمَا خَلَفٌ مِنْ فَقْدِ صَاحِبِهِ
هَذَا أَخِي حِينَ أَدْعُوهُ وَذَا وَلَدِي
♦ دخل محمَّد بن واسِع على قُتَيبة بن مسلم والي خُراسان، وعليه مدرعةُ صوف، فقال له قُتيبة: ما يدعوك إلى لَبْس هذه؟ فسكت، فقال قُتَيبة: أُكلِّمك فلا تجيبني؟ قال: أكره أن أقول: زُهدًا فأُزكِّي نفسي، أو أقول: فقرًا فأشكو ربِّي.