يوم لك ويوم عليك:
عتب عليَّ عاتبٌ ذات مرَّة، عندما قدَّمتُ في بعض الفقرات شيئًا من الخواطر الحزينة، والذِّكريات المريرة لواقِعنا القريب، ورأى أن يكونَ الحديث - وهو في استقبال يوم جديد - مَرِحًا بهيجًا متفائلاً.
ومع تقديري لوجهة نظرِه، فقد قلت له: إنَّ الحياة ليستْ بهيجةً دائمًا، وليستْ كلُّها مَرَحًا وفَرَحًا، وليستْ هزلاً ولهوًا، ولكنَّها خليطٌ من الجِدّ والمزح، والمسرَّة والحزن، ومن القسوة واللِّين.
فماذا يمنع أن يكون الحديثُ مُنوَّعًا، وأن يكون موجَّهًا معبرًا، فلا ينزوي في ناحية معينة، ولا يتهرَّب من معالجة المشكلات، وهل يجدر بنا أن نغفل عن واقعنا، ونُصدَّ عن مشكلاتنا ونحن نعيش في أدقِّ مرحلة، ونُجابه أشرسَ عدوٍّ وأغدره، وبلادنا مُصوَّبة نحوَها السِّهام، وهي في موقع هامّ، وثرواتها كثيرة، وخيراتها وافرة، والصِّدِيق يتطلَّع لها، متمنيًا لها الهناء والسعادة والتطوُّر، والعدوُّ ينظر لها نظرةَ طمع، وحقد وعداء؟!
وروابطها بالعالَم الإسلامي متينة، ومسؤولياتها عظيمة، وقادتُها وعلماؤها وجندُها، وسائرُ الفِئات الصالحة تعضد عنايتَها بأمور المسلمين في شتَّى أقطارهم، وعلى اختلاف أجناسهم.
ومشاكلهم في فلسطين وأريتريا، وكشمير وقبرص، وتشاد والتركستان، وزنجبار وتركيا، ويوغسلافيا والهند - عويصةٌ، والعدوان عليهم مِن قِبل أعداء الإسلام في ضَراوة وحنْق ولؤم، يَزداد قساوةً وشراسة، فلا يليق أن تُغفل هذه المواضيع المهمَّة، وتترك جانبًا.
♦ خَطَب قُتَيبة بن مسلِم على مِنبر خراسان، فسقط القضيبُ من يَدِه، فتفاءل له عدوُّه بالشرّ، واغتمَّ له صديقُه، فعرف ذلك قتيبة، فقال: ليس الأمرُ على ما ظنَّ العدوُّ، وخاف الصَّدِيق، ولكن كما قال الشاعر:
فَأَلْقَتْ عَصَاهَا وَاسْتَقَرَّ بِهَا النَّوَى
كَمَا قَرَّ عَيْنًا بِالْإِيَابِ الْمُسَافِرُ
♦ قال عِكرمة: كنا جلوسًا عندَ ابن عمر وابن عبَّاس - رضي الله عنهما - فمرَّ طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير، فقال ابن عباس: لا خير، ولا شرّ.
♦ قال كعب لابن عبَّاس: ما تقول في الطِّيرة؟ قال: وما عسيتُ أن أقول فيها، لا طيرَ إلاَّ طيرُ الله، ولا خيرَ إلا خيرُ الله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فقال كعب: إنَّ هذه الكلمات في كتاب الله المنزَّل؛ يعني: التوراة.