اكتساب المال:
الحِرْص على اكتساب المال غريزةٌ في النفوس، والمال متاعٌ إذا أحسن صاحبه الاستفادةَ منه، وصرفه في طرقه السليمة، كان دِرعًا له، وذكرى حسنة يعطر أريجها، ويطيب حديثها، وإن بَخِل به وقرّ، وشحَّ واحتجن، عُدَّ عليه من المثالب، وعِيب به، وكان وبالاً عليه، حظُّه منه تعب الجمع، وعناء المطاردة، وإثم الجحود.
♦ عاش الحارث بن حبيب الباهلي ستِّين ومائة سنة، ومن شعره:
كَمْ مِنْ أَسِيرٍ تَائِهٍ فَدَيْتُهُ
وَمِنْ كَمِيٍّ مُعْلِمٍ أَرْدَيْتُهُ
وَمُسْرِعٍ بِسَرْوِهِ جَازَيْتُهُ
وَمُبْطِئٍ بِرِفْدِهِ كَفَيْتُهُ
وَمُعْلِنٍ بِضِغْنِهِ كَوَيْتُهُ
لَوْ كَانَ يُشْرَى الْمَوْتُ لَاشْتَرَيْتُهُ
♦ جمع الحارث بن كعب بَنِيه حين حضرتْه الوفاةُ، فقال: يا بَنِيّ، عليكم بهذا المال، فاطلبوه أجملَ الطلب، ثم اصرفوه في أجملِ مذهب، فصِلُوا به الأرحام، واصطنعوا منه الأقوام، واجعلوه جُنَّةً لأعراضكم، تحسن في الناس قالتُكم، فإنَّ بذلَه تمام الشرف، وثباتُ المروءة، وإنه ليُسوِّد غيرَ السيِّد، ومؤيد غير الأيِّد، حتى يكونَ عند الناس نبيلاً نبيهًا، وفي أعينهم مهيبًا، ومَن اكتسب مالاً فلم يَصِل به رَحِمًا، ولم يُعطِ منه سائلاً، ولم يضمن به عِرْضًا، بحث الناس عن أصْله، فإن كان مدخولاً هرتوه وهتكوه، وإن لم يكن مدخولاً ألْزمُوه دَنيَّة، وأكسبوه عرقًا لئيمًا، حتى يهجنوه به، وقال لابنه أشعث وهو يُوصيه:
أَبُنَيَّ إِنَّ أَبَاكَ يَوْمًا هَالِكٌ
فَاحْفَظْ أَبَاكَ رِيَاسَةً وَتَقُلُّبَا
وَإِذَا لَقِيتَ كَتِيبَةً فَتَقَدَّمَنْ
إِنَّ الْمُقَدَّمَ لاَ يَكُونُ الْأَخْيَبَا
تَلْقَى الرِّيَاسَةَ أَوْ تَمُوتَ بِطَعْنَةٍ
وَالْمَوْتُ يَأْتِي مَنْ نَأَى وَتَجَنَّبَا
♦ قال سحبان وائل: إنَّ الدنيا دارُ بلاغ، والآخرة دار قرار، أيُّها الناس، فخُذوا من دار ممرِّكم لدار مقرِّكم، ولا تهتكوا أستارَكم عندَ من لا تخفى عليه أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبَكم قبل أن تخرج منها أبدانُكم، ففيها حييتم، ولغيرها خُلِقتم.
♦ كتب عبدالحميد بن يحيى الكاتب المقتول سنة 132هـ إلى أهله وهو منهَزِم مع مرْوان بن محمد - آخِر ملوك بني أُمية-: