الأمم السالفة:
في التاريخ أنباءٌ عن أمم سلفتْ، ودول دثرت، وأقوام كانوا فبانوا، وبقيتْ سيرتهم تُقرأ وتُروى، فإذا ذُكِر الطغاة والأشرار، وأهل الكفر والعناد ذُكروا بالاستهجان والاستقباح واللَّعائِن، وإذا مرَّ ذِكْر الأخيار والصالحين، وذوي الفضل والشهامة والمروءة، ذُكِروا بالاستحسان وعاطِر الثناء، والإعجاب بأعمالهم.
وهكذا لم يجدِ الطاغي طغيانَه، ولم ينتهِ المظلوم عند ظلمه.
وقصة الأنبياء - عليهم السلام - مع أُممهم تُعطي المثل والاعتبار، فلقد تكبَّر الكافرون، واستهانوا بالأنبياء وآذَوْهم، ورامُوا قتلهم، والمصلِحون في كل زمان ومكان أُوذُوا، وأصابتهم محنٌ وابتلاء ومتاعب، فصبروا ودافعوا عن الحقّ، ولسان حالهم يُردِّد مع السحرة عندما قالوا لفرعون: ﴿ فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [طه: 72]، لقد كانت العاقبةُ الحسنة للأنبياء والصالحين، والمدافعين عن الحق، والداعين لدين الله؛ ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51].
♦ وقال صابئُ بن الحارث البرجمي:
وَمَا عَاجِلاَتُ الطَّيْرِ تُدْنِي مِنَ الْفَتَى
نَجَاحًا وَلاَ عَنْ رَيْثِهِنَّ نَحِيبُ
وَرُبَّ أُمُورٍ لاَ تَضِيرُكَ ضَيْرَةً
وَلِلْقَلْبِ مِنْ مَخْشَاتِهِنَّ وَجِيبُ
وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يُوَطِّنُ نَفْسَهُ
عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ حِينَ تَنُوبُ
وَفِي الشَّكِّ تَفْرِيطٌ وَفِي الْحَزْمِ قُوَّةٌ
وَيُخْطِي الْفَتَى فِي حَدْسِهِ وَيُصِيبُ
وَلَسْتَ بِمُسْتَبْقٍ صَدِيقًا وَلاَ أَخًا
إِذَا لَمْ تَعُدَّ الشَّيْءَ وَهْوَ يَرِيبُ