أما بعد:
فإنَّ أحقَّ مَن عَرف حقَّ الله عليه فيما أَخَذ منه مَن عظَّم حقَّ الله عليه فيما أبقى له، واعلم أنَّ الماضي قبلَك هو الباقي لك، وأنَّ الباقي بعدَك هو المأجور فيك، وأنَّ أجْرَ الصابرين فيم يُصابون به أعظمُ مِن النعمة عليهم فيما يعافون منه.
♦ مرض المِسْوَر فجاءه ابن عبَّاس يزوره نصفَ النهار، فقال المسور: يا أبا عبَّاس، هلاَّ ساعةً غير هذه؟ فقال ابن عبَّاس: إنَّ أحبَّ الساعات إليَّ أن أؤدِّي فيها الحق أشقُّها عليّ.
♦ قيل لهرم بن حبَّان: أَوصِ، فقال: صدقتْنِي نفسي في الحياة: ما لي شيءٌ أوصي فيه، ولكنِّي أوصيكم بخواتيم سورة النحل.
♦ قال عامر بن عبد قيس: الدنيا والدةٌ للموت، ناقضةٌ للمبرم، مرتجفة للعطية، وكلُّ مَن فيها يَجري إلى ما لا يَدْري، وكلُّ مستقرٍّ فيها غيرُ راضٍ بها، وذلك شهيدٌ بأنها ليستْ بدار قرار..
♦ قال فَرْقَد: دخلْنا على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد، ألاَ يعجبك مِن محمَّد بن الأهتم؟ فقال: ما لَه؟ فقلنا: دخلْنا عليه آنفًا وهو يجود بنفسه، فقال: انظروا إلى ذاك الصندوق - وأومأ إلى صندوق في جانب بيته - فقال: هذا الصندوق فيه ثمانون ألْف دينار (أو قال درهم) لم أؤدِ منها زكاة، ولم أَصِلْ منها رَحِمًا، ولم يأكلْ منها محتاج، فقلنا: يا أبا عبدالله، فلِمَن كنت تجمعها؟ قال: لروعةِ الزمان، ومكاثرة الأقران، وجفوة السلطان.
فقال: انظروا، مِن أين أتاه شيطانُه، فخوَّفه روعةَ زمانه، ومكاثرةَ أقرانه، وجفوةَ سلطانه؟ ثم قال: أيُّها الوارث، لا تُخدعنَّ كما خُدِع صُوَيْحِبُك بالأمس، جاءك هذا المال لم تتعبْ لك فيه يمين، ولم يَعْرَق لك فيه جبين، جاءك ممن كان له جموعًا منوعًا، مِن باطل جَمَعه، من حقٍّ منعه، ثم قال الحسن: إنَّ يوم القيامة لذو حسرات، الرجل يجمع المال ثم يموت ويدعه لغيره، فيرزقه الله فيه الصلاحَ والإنفاق في وجوه البرّ، فيجد مالَه في ميزان غيره.
♦ قال أبو عثمان النهديُّ: أتَتْ عليَّ ثلاثون ومائة سنة ما مِنِّي شيء إلاَّ وقد أنكرتُه، إلا الأمل، فإنَّه يزيد.
♦ قال الحسن: إذا سرَّك أن تنظر إلى الدنيا بعدَك، فانظر إليها بعدَ غيرك.
♦ سَمِع بعضُ الحمقى قومًا يتذاكرون الموت وأهواله، فقال: لو لم يكن في الموْت إلا أنَّك لا تقدر أن تتنفَّس لكفَى.
♦ قال أبو حازم: نحن لا نُريد أن نموتَ حتَّى نتوب، ونحن لا نتوب حتى نموت.
♦ قال رجل للحسن البصري:
إني أكره الموت، قال: ذاك لأنَّك أخَّرْتَ مالك، ولو قدمتَه لسرَّك أن تلحق به.
♦ قال عليٌّ - رضي الله عنه -: اللهمَّ إنَّ ذنوبي لا تضرُّك، وإنَّ رحمتَك إياي لا تنقصك، فاغفرْ لي ما لا يضرُّك، وأعطِني مالا ينقصك.
♦ دخل أحمقُ على مريض، فقال: إذا رأيتم المريض على هذه الحال فاغسلوا أيديَكم منه.
♦ قيل لأبي العيناء: فيمَ أنت؟ قال: في الداء الذي يتمنَّاه الناس - يعني الهرم.
♦ قال حاجب بن دينار لأخيه زُرارة:
عَجِلْتَ مَجِيءَ الْمَوْتِ حَتَّى هَجَرْتَنِي
وَفِي الْقَبْرِ هَجْرٌ يَا زُرَارُ طَوِيلُ
♦ قال بكر بن عبدالله المزني: اجتهِدوا في العمل، فإن قصَّر بكم ضعْفٌ فكفُّوا عن المعاصي.