الحياة قلب:
ليستِ الحياة صفوًا كلُّها، ولا هي نورٌ دائم، فهي تارةٌ وتارة، ويومٌ ويوم، فيها الشدَّة واللِّين، والعُسْر واليُسْر، والبأساء والنعماء، والضر والنفع، والمتبصِّر مَن يشكر إذا أقبلَتْ، ويصبر إذا أدْبَرَتْ، لا يزدهيه الغرورُ والكِبْر، ولا يستسلم لليأس والقنوط، فهو صابر شاكر، ومؤمِن محتسب، وموقِن مطمئن.
♦ قال أبو فراس الحارث الحمداني في أبيات أرسلها لأمِّه وهو أسير:
مُصَابِي جَلِيلٌ وَالْعَزَاءُ جَمِيلُ
وَظَنِّي بِأَنَّ اللَّهَ سَوْفَ يُدِيلُ
جِرَاحٌ تَحَامَاهَا الْأُسَاةُ مَخُوفَةٌ
وَسُقْمَانِ: بَادٍ مِنْهُمَا وَدَخِيلُ
وَأَسْرٌ أُقَاسِيهِ وَلَيْلٌ نُجُومُهُ
أَرَى كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَهُنَّ يَزُولُ
تَطُولُ بِيَ السَّاعَاتُ وَهْيَ قَصِيرَةٌ
وَفِي كُلِّ دَهْرٍ لاَ يَسُرُّكَ طُولُ
تَنَاسَانِيَ الْأَصْحَابُ إِلاَّ عُصَيْبَةٌ
سَتَلْحَقُ بِالْأُخَرَى غَدًا وَتَحُولُ
وَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْقَى عَلَى الْعَهْدِ إِنَّهُمْ
وَإِنْ كَثُرَتْ دَعْوَاهُمُ لَقَلِيلُ
أُقَلِّبُ طَرْفِي لاَ أَرَى غَيْرَ صَاحِبٍ
يَمِيلُ مَعَ النَّعْمَاءِ حَيْثُ تَمِيلُ
وَصِرْنَا نَرَى أَنَّ الْمُتَارِكَ مُحْسِنٌ
وَأَنَّ صَدِيقًا لاَ يَضُرُّ خَلِيلُ
أَكُلُّ خَلِيلٍ هَكَذَا غَيْرُ مُنْصِفٍ
وَكُلُّ زَمَانٍ بِالْكِرَامِ بَخِيلُ