الدنيا حلوة خضرة:
الدنيا حُلوة خضرة، وقد أوجد اللهُ الإنسانَ فيها ليبلوَه أيشكر أم يكفر، وهي مزرعةٌ للآخرة، فمَن زرع خيرًا وجد خيرًا، ومَن زرع شرًّا حَصَد ندامة، ولا يلومنَّ المرء إلا نفسَه.
فهي متاعٌ زائل، وطريقٌ عابر، نهايته الموتُ والقبر، والبعث والنشور، ثم الجزاء، فإمَّا إلى جنة، وإمَّا إلى نار.
فمَن وفَّقه الله اعتبر واتعظ، ولم تَفْتِنه زخارفُ الحياة عن عبادة ربه، ولم يلتفتْ لدعاة الإلحاد، ومبادِئ الهَدْم والشكوك، بل زاده ذلك تمسُّكًا بدِينه، ودحضًا لشُبَه المبطِلين، ومؤتفكات الضالين، والله الهادي إلى سواء السبيل.
حكى الأصمعيُّ قال: دخلت على الرشيد يومًا وهو ينظر في كتاب - ودموعه تسيل على خَدِّه - فلمَّا بصُر بي قال: أرأيتَ ما كان مني؟ قلت: نعم، قال: أما إنَّه ليس لأمر الدنيا، ثم رمى إليَّ بالكتاب، فإذا فيه أبيات لأبي العتاهية إسماعيل بن أبي القاسم، وهي:
هَلْ أَنْتَ مُعْتَبِرٌ بِمَنْ خَرِبَتْ
مِنْهُ غَدَاةَ مَضَى دَسَاكِرُهُ
وَبِمَنْ أَذَلَّ الدَّهْرُ مَصْرَعَهُ
فَتَبَرَّأَتْ مِنْهُ عَسَاكِرُهُ
وَبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ أَسِرَّتُهُ
وَبِمَنْ وَهَتْ مِنْهُ مَنَابِرُهُ
أَيْنَ الْمُلُوكُ وَأَيْنَ عِزُّهُمُ
صَارُوا مَصِيرًا أَنْتَ صَائِرُهُ
يَا مُؤْثِرَ الدُّنْيَا لِلَذَّتِهِ
وَالْمُسْتَعِدُّ لِمَنْ يُفَاخِرُهُ
نَلْ مَا بَدَا لَكَ أَنْ تُنَاوِلَهُ
يَوْمًا فَإِنَّ الْمَوْتَ آخِرُهُ
فلمَّا قرأتُها، قال: واللهِ يا أصمعيُّ لكأنِّي أُخاطب بهذا الشعر وحدي دون الخلق! فقلت: دعْ هذا يا أمير المؤمنين، فإنَّه استشعارٌ لا يقطع به، ولا يعول عليه، فواللهِ ما لبث بعدَ ذلك إلا شهرًا واحدًا ثم مات.
♦ قال رجل لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: إنَّ فلانًا رجلُ صدق، قال: سافرتُ معه؟ قال: لا، قال: فكانتْ بينك وبينه خصومة؟ قال: لا، قال: فهل ائتمنتَه على شيء؟ قال: لا، قال: فأنتَ الذي لا علمَ لك به، أراك رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد.
♦ دخل محمَّد بن واسع على قتيبة بن مسلم، فقال له: أتيتُك في حاجة رفعتُها إلى الله قبلَك، فإنْ تقضها حمَدْنا الله وشكرناك، وإن لم تقضِها حمدْنا الله وعذرناك، فأمَرَ له بحاجته.