ما أبلغَه:
قال الأصمعي: لَمَّا مَرِض الحجَّاج أرجف الناس بموته، فقال في خطبته: إنَّ طائفةً من أهل الشِّقاق والنفاق نزغ الشيطانُ بينهم فقالوا: مات الحجاج، ومات الحجاج، فَمَهْ؟! فهل يرجو الحجاج الخيرَ إلا بعدَ الموت؟ والله ما يسرُّني أن لا أموت وأنَّ لي الدنيا وما فيها، وما رأيتُ الله رضي التخليد إلا لأهونِ خلقِه عليه؛ إبليس، قال الله له: ﴿ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴾ [الأعراف: 15]، فأنظَرَه إلى يوم الدِّين، ولقد دعا اللهَ العبدُ الصالح، فقال:﴿ هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ﴾ [ص: 35] ، فأعطاه الله ذلك إلاَّ البقاء، ولقد طلب العبدُ الصالح الموتَ بعد أن تمَّ له أمرُه، فقال:﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101] ، فما عسى أن يكون أيُّها الرجل، وكلُّكم ذلك الرجل، كأنِّي واللهِ بكُلِّ حيٍّ منكم ميتًا، وبكلِّ رطب يابسًا، ثم نُقِل وأثياب أكفانه ثلاثة أذرع طولاً في ذراع عرضًا، فأكلت الأرض لحمه، ومصَّتْ صديدَه، وانصرف الخبيث من ولدِه يقسم الخبيثَ مِن ماله، إنَّ الذين يعقلون يعقلون ما أقول، ثم نَزَل.
♦ ذَكَر الزبير بن بكَّار عن عبَّاس بن سهل الساعديِّ: أنه دخل على جميل وهو يموت، فقال له: ما تقول في رجل لم يشربِ الخمر قطُّ، ولم يَزْنِ قطّ، ولم يسرق، ولم يَقتُلِ النفس، وهو يشهد ألاَّ إله إلا الله؟ قال: أظنُّه قد نجا، وأرجو له الجنة، فمَن هذا؟ قال: أنا، فقلت: الله! ما أظنُّك سلمت وأنت تُشبِّب بالنساء منذ عشرين سَنة بِبُثينة، فقال: لا نالتْنِي شفاعةُ محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإني لفي أوَّل يوم من أيام الآخرة، وآخرِ يوم من أيام الدنيا إن كنتُ وضعتُ يدي عليها برِيبة.