بدالملك عند وفاته:
لَمَّا حضرتِ الوفاة عبدَالملك بن مرْوان دَعَا بنيه فوصَّاهم، ثم قال: الحمدُ لله الذي لا يَسأل أحدًا مِن خَلْقه صغيرًا أو كبيرًا، ثم ينشد:
فَهَلْ مِنْ خَالِدٍ إِمَّا هَلَكْنَا
وَهَلْ بِالْمَوْتِ لِلْبَاقِينِ عَارُ
ويُرْوى أنه قال: ارفعوني، فرفعوه حتى شمَّ الهواء، وقال: يا دُنيا، ما أطيبَك! إنَّ طويلك لقصير، وإنَّ كثيرَك لحقير، وإنَّا كنَّا بك لفي غرور، ثم تمثَّل بهذين البيتين:
إِنْ تُنَاقِشْ يَكُنْ نِقَاشُكَ يَا رَبْ
بِ عَذَابًا لاَ طَوْقَ لِي بِالْعَذَابِ
أَوْ تُجَاوِزْ فَأَنْتَ رَبٌّ صَفُوحٌ
عَنْ مُسِيءٍ ذُنُوبُهُ كَالتُّرَابِ
♦ كان عبدالملك بن مرْوان في مرضِه الذي مات فيه يَعْطش، وقيل له: إن شربتَ الماء متَّ، فأقبل ذات يوم بعضُ العُوَّاد، فقال: كيف حال أمير المؤمنين؟ قال: أنا صالِح والحمد لله، ثم أنشأ يقول:
وَمُسْتَخْبِرٌ عَنَّا يُرِيدُ بِنَا الرَّدَى
وَمُسْتَخْبِرَاتٌ وَالْعُيُونُ سَوَاجِمُ
ويلكم اسقوني ماءً، وإن كان فيه تلفُ نفسي فشرب، ثم مات.
♦ مرض الأعمش فأبرمَه الناس بالسؤال عن حاله، فكتب قصَّته في كتاب وجعله عند رأسه، فإذا سأله أحد قال: عندَك القصَّة في كتاب.
♦دخل مصقلةُ بن هُبَيرة على معاوية، ومعاوية عليلٌ، وقد أرجف الناس بعِلَّته، فأخذ معاوية بيده، ثم قال: يا مصقل:
أَبْقِ الْحَوَادِثَ مِنْ خَلِي
لِكَ مِثْلَ جَنْدَلَةِ الْمَرَاجِمْ
قَدْ رَامَنِي الْأَقْوَامُ قَبْ
لَكَ فَامْتَنَعْتُ مِنَ الْمَظَالِمْ
فقال مصقلة: أما قول أمير المؤمنين "أبقي الحوادث من خليلك"، فقد أبقى الله منك جبلاً راسيًا، وكلأً مرعيًّا لصديقك، وسُمًّا ناقعًا لعدوِّك.
وأما قولك: "قد رامني الأقوام قبلك"، فمن ذا يرومك أو يظلمك؟! فقد كان الناس مشركِين، فكان أبو سفيان سيِّدَهم، وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرَهم، فأعطاه معاوية فخرج فسئل عنه، فقال: والله لغمزني غمزة كاد يكسِر منها يدي، وأنتم تزعمونه مريضًا!