علماء ووعاظ:
اشتهر مِن علماء المسلمين ووعَّاظهم كثيرون، وكان لهؤلاء الوعَّاظ العلماء أسلوبٌ يوقظ المشاعر، وينبِّه إلى عدم الاغترار بالدنيا، والاستعداد ليوم اللقاء ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ ﴾ [النازعات: 6 - 9].
وكان هؤلاء العلماءُ يَحضُّون ويُشوِّقون، ويَرْجون للمسلمين خيرًا، ولا يُقنِّطونهم من رحمة الله، أو يبعثون في نفوسهم اليأسَ والحِرْمان.
♦ قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمِّل
الدنيا والموتُ يطلبه، وغافِلٌ لا يُغفل عنه، وضاحِك فيها ولا يَدري أساخطٌ ربُّه أم راضٍ، وأبكاني هولُ المطلع، وانقطاع العمل، ومَوْقفي بين يدي الله، لا أدري أيأمر بي إلى الجَنَّة، أم إلى النار.
♦ كان الحسنُ البصريُّ يقول: ما أنعم الله على عبد نِعمةً إلا وعليه فيها تَبِعة، إلا ما كان مِن نعمة لسليمان - عليه السلام - فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - قال: ﴿ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [ص: 39].
♦ قال الهيثم بن عديٍّ عن رجاله: بينا حذيفة بن اليمان وسَلْمان الفارسي يتذاكرانِ أعاجيبَ الزمان وتَغيُّرَ الأيام - وهما في عرصة إيوان كسرى - وكان أعرابي من غامد يَرْعى شويهات له نهارًا، فإذا كان اللَّيلُ صرَّهنَّ إلى داخل العرصة، وفي العرصة سريرُ رخام كان كسرى ربَّما جلس عليه، فصعدت غنيماتُ الغامدي على سرير كسرى، فقال سلمان:
ومن أعجب ما تذاكرنا صعودُ غُنيمات الغامدي على سرير كسرى، قال عروة بن الزبير: التواضُع أحدُ مصائِب الشرف.
♦ قال الحسن البصريُّ: يا ابن آدم، طأِ الأرضَ بقدمك، فإنها عمَّا قليل قبرُك، واعلم أنك لم تزلْ في هدم عمرك منذ سقطتَ مِن بطن أمك، فرحم الله رجلاً نظر فتفكَّر، وتفكر فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فصَبَر، فقد أبصر أقوامٌ ولم يَصبروا، فذهب الجزعُ بقلوبهم، ولم يُدركوا ما طلبوا، ولم يرجعوا إلى ما فارقوا.
يا ابنَ آدم، اذكر قوله:﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13 - 14]، عَدَل واللهِ مَن جعلك حسيبَ نفسك.
♦ أنشد أعرابي:
وَمَا هَذِهِ الْأَيَّامُ إِلاَّ مُعَارَةٌ
فَمَا اسْطَعْتَ مِنْ مَعْرُوفِهَا فَتَزَوَّدِ
فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي بِأَيَّةِ بَلْدَةٍ
تَمُوتُ وَلاَ مَا يُحْدِثُ اللَّهُ فِي غَدِ
يَقُولُونَ لاَ تَبْعُدْ وَمَنْ يَكُ مُسْدِلاً
عَلَى وَجْهِهِ سِتْرًا مِنَ الْأَرْضِ يَبْعُدِ
♦ قال رجل لأُمِّ الدرداء: إني لأجد في قلْبي داءً لا أجد له دواءً، وأجد قسوةً شديدة، وأملاً بعيدًا، قالت: اطَّلِعْ في القبور، واشهدِ الموتى.
♦ قال الحسن: ما أطال عبدٌ الأمل إلاَّ أساء العمل.
♦ قال التيمي:
إِذَا كَانَتِ السَّبْعُونَ سِنَّكَ لَمْ يَكُنْ
لِدَائِكَ إِلاَّ أَنْ تَمُوتَ طَبِيبُ
وَإِنَّ امْرَأً قَدْ سَارَ سَبْعِينَ حَجَّةً
إِلَى مَنْهَلٍ مِنْ وِرْدِهِ لَقَرِيبُ
إِذَا مَا مَضَى الْقَرْنُ الَّذِي أَنْتَ فِيهِمُ
وَخُلِّفْتَ مِنْ قَرْنٍ فَأَنْتَ غَرِيبُ
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ