أموال الدولة:
يتساهل بعض الناس في أموال الدولة، ويستحلُّ أخْذَها بكل وسيلة، وربما يفاخر بأنَّه كان منه الذكاء والمهارة، بحيث قدَرَ أن يختلس، وينهب ويحتال؛ ليأخذَ من أموال الدولة بغير حقّ، وما عَلِم أنه يَرْمي نفسه بالعار والشنار، والغَدْر والخِيانة، والتعدِّي والظُّلم.
فمال الدولة هو بيتُ مال المسلمين، ولكلِّ مسلم حقٌّ فيه، وما الموظَّفون والقيِّمون على بيت المال وشؤون الدولة إلاَّ خُزَّان وحُفَّاظ ورُعَاة، يجب عليهم أن يؤدُّوا أمانتهم التي ائتمنهم الله عليها، ويجب عليهم ألاَّ يتصرَّفوا في بيت المال إلا في ما يعود نفعُه للمسلمين، وفي مصلحة نافعة راجحة، فإذا أهملوا أو قصَّروا أو تهاونوا، فإنَّهم مَلُومُون، وإذا اختلسوا ونهبوا وظلموا، فإنهم آثِمون؛ لأنهم قد خانوا الأمانة، وانتهكوا الوديعة، وتعدَّوْا حدودَ الله في الأمانات، وظلموا أنفسَهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [النساء: 58]، ﴿ وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾ [النساء: 107].
فليتَّقِ الله مَن تُسوِّل له نفسُه خيانةَ الأمانة، ولْيتُبْ قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه خُلَّة ولا شفاعة، ولا حِيلةٌ ولا أعذار واهية.
♦ بعث زيادٌ الحكمَ بن عمرو الغفاريَّ واليًا على خراسان، فأصاب مغنمًا، فكَتَب إليه زياد: إنَّ أمير المؤمنين معاوية كتب إليَّ ليأمرني أن أصطفيَ له كلَّ صفراء وبيضاء، فإذا أتاك كتابي هذا فانظرْ ما كان من ذهب وفِضَّة، فلا تَقسِمْه، واقسم ما سوى ذلك، فكتب إليه الحكم:
إني وجدتُ كتاب الله قبلَ كتاب أمير المؤمنين، وواللهِ لو أنَّ السمواتِ والأرضَ كانتا رَتْقًا على عبد، فاتَّقى الله لجَعَل له منها مخرجًا، والسلام.
ثم أمر المنادي فنادَى في الناس: أنِ اغدوا على غنائمكم، فغَدَوْا فقسمها بينهم.