تقدير في محله:
أقْبل المنصور يومًا راكبًا، والفرج بن فضالة جالسٌ عند باب الذهب، فقام الناس إليه، ولم يقم، فاستشاط المنصورُ غيظًا وغضبًا، ودعا به، فقال: ما منعَك من القيام مع الناس حين رأيتَني؟ قال: خفتُ أن يسألني الله - تعالى -: لم فعلت؟ ويسألك عنه: لم رَضِيت؟ وقد كَرِهه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسكن غضبه، وقرَّبه، وقضى حوائجَه.
♦ وقال الأستاذ محمد سعيد العامودي:
يَا صَدِيقِي وَمَا انْتِفَاعُ أَخِي الدُّنْ
يَا بِحِلْمٍ يَشِينُهُ اسْتِعْلاَءُ
أَوَلَيْسَ الْخَلِيقُ بِالسَّامِقِ الْأَخْ
لاَقِ أَنْ لاَ يَغُرَّهُ إِغْرَاءُ
مَا التَّعَالِي مَا الْاسْتِطَالِةُ مَا الْإِعْ
جَابُ بِالنَّفْسِ كُلُّهَا إِغْوَاءُ
إِنَّمَا يَرْفَعُ الْعَظِيمَ إِذَا كَا
نَ عَظِيمًا سَمَاحَةٌ وَصَفَاءُ
♦ وقال الشاعر:
وَلَمَّا رَأَيْتُكَ لاَ فَاسِقًا
تُهَابُ وَلاَ أَنْتَ بِالزَّاهِدِ
وَلَيْسَ عَدُوُّكَ بِالْمُتَّقِي
وَلَيْسَ صَدِيقُكَ بِالْحَامِدِ
أَتَيْتُ بِكَ السُّوقَ سُوقَ الرَّقِيقِ
فَنَادَيْتُ هَلْ فِيكَ مِنْ زَائِدِ؟
عَلَى رَجُلٍ غَادِرٍ بِالصَّدِيقِ
كَفُورٍ لِنَعْمَائِهِ جَاحِدِ
فَمَا جَاءَنِي رَجُلٌ وَاحِدٌ
يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ وَاحِدِ
سِوَى رَجُلٍ حَانَ مِنْهُ الشَّقَاءُ
وَحَلَّتْ بِهِ دَعْوَةُ الْوَالِدِ
فَبِعْتُكَ مِنْهُ بِلاَ شَاهِدٍ
مَخَافَةَ رَدِّكَ بِالشَّاهِدِ
وَأُبْتُ إِلَى مَنْزِلِي سَالِمًا
وَحَلَّ الْبَلاَءُ عَلَى النَّاقِدِ
♦ وكان جعفرٌ الصادق يقول: لا تُفتِّش على عيْب الصديق، فتبقى بلا صديق.
♦ قال بعض الشعراء:
صَدِيقِي مَنْ يُقَاسِمُنِي هُمُومِي
وَيَرْمِي بِالْعَدَاوَةِ مَنْ رَمَانِي
وَيَحْفَظُنِي إِذَا مَا غِبْتُ عَنْهُ
وَأَرْجُوهُ لِنَائِبةِ الزَّمَانِ
♦ ويقال: احتمل لأخيك ثلاثًا: الغضب، والدالة، والهفوة.
♦ قال أحد الشعراء:
لَيْسَ الصَّدِيقُ الَّذِي إِنْ زَلَّ صَاحِبُهُ
يَوْمًا رَأَى الذَّنْبَ مِنْهُ غَيْرَ مَغْفُورِ
وَإِنْ أَضَاعَ لَهُ حَقًّا فَعَاتَبَهُ
فِيهِ أَتَاهُ بِتَزْوِيقِ الْمَعَاذِيرِ
إِنَّ الصَّدِيقَ الَّذِي أَلْفَاهُ يَعْذِرُ لِي
مَا لَيْسَ صَاحِبُهُ فِيهِ بِمَعْذُورِ
♦ وكان حمَّاد بن سلمة إذا رأى مَن يستثقله قال: ﴿ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ ﴾ [الدخان: 12].
♦ وقال حميد بن مالك بن مغيث:
أَدْنُو بِوُدِّي وَحَظِّي مِنْكَ يُبْعِدُنِي
هَذَا لَعَمْرُكَ عَيْنُ الْغُبْنِ وَالْغَبَنِ
وَإِنْ تَوَخَّيْتَنِي يَوْمًا بِلاَئِمَةٍ
رَحَّبْتُ بِاللَّوْمِ إِبْقَاءً عَلَى الزَّمَنِ
وَحُسْنُ ظَنِّيَ مَوْقُوفٌ عَلَيْكَ فَهَلْ
عَدَلْتَ فِي الظَّنِّ بِي عَنْ رَأَيْكَ الْحَسَنِ
♦ قال رجل لآخر: بلَغَني عنك أمرٌ قبيح، فقال: يا هذا، إنَّ صحبة الأشرار ربَّما أورثتْ سوء ظنٍّ بالأخيار.
♦ قال صالح بن عبدالقدوس:
تَجَنَّبْ صَدِيقَ السُّوءِ وَاصْرِمْ حِبَالَهُ
وَإِنْ لَمْ تَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا فَدَارِهِ
وَمَنْ يَطْلُبِ الْمَعْرُوفَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ
يَجِدْهُ وَرَاءَ الْبَحْرِ أَوْ فِي قَرَارِهِ
وَلِلَّهِ فِي عُرْضِ السَّمَوَاتِ جَنَّةٌ
وَلَكِنَّهَا مَحْفُوفَةٌ بِالْمَكَارِهِ
♦ وقال أبو العتاهية:
احْذَرِ الْأَحْمَقَ أَنْ تَصْحَبَهْ
إِنَّمَا الْأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلِقْ
كُلَّمَا رَقَّعْتَهُ مِنْ جَانِبٍ
زَعْزَعَتْهُ الرِّيحُ يَوْمًا فَانْخَرَقْ
أَوْ كَصَدْعٍ فِي زُجَاجٍ فَاحِشٍ
هَلْ تَرَى صَدْعَ زُجَاجٍ يَلْتَصِقْ
فَإِذَا عَاتَبْتَهُ كَيْ يَرْعَوِي
زَادَ شَرًّا وَتَمَادَى فِي الْحُمُقْ
♦ قال الشاعر:
أُنَاسٌ كَمَا تَدْرِي وَدُنْيَا بِحَالِهَا
وَدَهْرٌ رَخِيٌّ تَارَةً وَعَسِيرُ
وَأَحْوَالُ خَلْقٍ غَابِرٍ مُتَجِدِّدٍ
تَشَابَهَ فِيهَا أَوَّلٌ وَأَخِيرُ
تَمُرُّ تِبَاعًا فِي الْحَيَاةِ كَأَنَّهَا
مَلاَعِبُ لاَ تُرْخَى لَهُنَّ سُتُورُ
وَحِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا وَمَيْلٌ مَعَ الْهَوَى
وَغِشٌّ وَإِفكٌ فِي الْحَيَاةِ وَزُورُ
♦ قيل: مَن طلب ثلاثةً لم يَسلمْ من ثلاثة: مَن طلب المال بالكيمياء لم يَسْلمْ من الإفلاس، ومَن طلب الدِّين بالفلسفة لم يسلم من الزَّنْدقة، ومن طلب الفِقه بغرائب الحديث لم يسلمْ من الكذب.
♦ وقالوا: إحسان المسيء أن يكفَّ عنك أذاه، وإساءة المحسِن أن يمنعك جدواه.
♦ وقال المثقَّب العبدي - واسمه: عائذ الله بن تحصن بن ثعلبة -:
فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَخِي بِحَقٍّ
فَأَعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِينِي
وَإِلاَّ فَاطَّرِحْنِي وَاتَّخِذْنِي
عَدُوًّا أَتَّقِيكَ وَتَتَّقِينِي
فَإِنِّي لَوْ تُخَالِفُنِي شِمَالِي
خِلاَفَكَ مَا وَصَلْتُ بِهَا يَمِينِي
إِذًا لَقَطَعْتُهَا وَلَقُلْتُ بَيْنِي
كَذَلِكَ أَجْتَوِي مَنْ يَجْتَوِينِي
♦ قال حجية بن المضرب:
أَخُوكَ الَّذِي إِنْ قُمْتَ بِالسَّيْفِ عَامِدًا
لِتَضْرِبَهُ لَمْ يَسْتَغِشَّكَ فِي الْوُدِّ
وَلَوْ جِئْتَ تَبْغِي كَفَّهُ لِتُبِينَهَا
لَبَادَرَ إِشْفَاقًا عَلَيْكَ مِنَ الرَّدِّ
يَرَى أَنَّهُ فِي الْوُدِّ كَانَ مُقَصِّرًا
عَلَى أَنَّهُ قَدْ زَادَ فِيهِ عَلَى الْجَهْدِ
♦ وقال صالح بن عبدالقدوس:
لاَ أَخُونُ الْخَلِيلَ فِي السِّرِّ حَتَّى
يُنْقَلَ الْبَحْرُ فِي الْغَرَابِيلِ نَقْلاَ
أَوْ تَمُورَ الْجِبَالُ مَوْرَ سَحَابٍ
مُثْقِلاَتٍ وَعَتْ مِنَ الْمَاءِ حَمْلاَ