الخمر أمُّ الخبائث، وهي مُذهِبة للعقل، مقلِّلة للمروءة، محطِّمة للأُسر، مجلبة للشرور، مثيرة للفِتن.
والخمر ملعونة، ملعون حاملها والمحمولة إليه، وبائعها ومبتاعها، وشاربها، وقد ترفَّع عنها بعضُ أهل الجاهلية، وقال: لا أُريد أن أُصبح سيِّد قومي، وأُمسي سفيههم، ومنهم مَن كان يتركها لئلاَّ يُفشِي الأسرار التي ربما كان في إفشائها ذَهابُ عزِّ القبيلة أو الدولة، أو اطِّلاع الأعداء على أسرار حربية، فيعرفون ضعْفَ عدوهم وقوته، ويَلِجُون من نقاط الضعْف، التي لولا هذيان السكير ما علموا بها، وقد حَرَّم الله الخمر تحريمًا قاطعًا في نهاية الأمر بعد أن تدرَّج في تحريمها من الأدنى إلى الأعلى.
ومِن المحزن أنَّ بعض مَن يذهب إلى بلاد الغرب يقتبسون من العاداتِ الذميمة، فيتعاطَى بعض ضِعافُ النفوس وخوارى العزائم الخمرَ، يظنُّ أن ذلك رُقِيٌّ ومجاراة لأهل المدنية والتقدُّم، والغريب أنَّ هذا البعض - غالبًا - يُقلِّد في الضار، أما النافع من الحضارة والمدنية فهو يُعرِض عنه، وهكذا ينقلب الأملُ فيه ألمًا، وتتحوَّل الفرحة به ترحة، ويكون وباله على قومِه كبيرًا.
♦ قيل لعثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - : ما منعك مِن شُرْب الخمر في الجاهلية، ولا جُرمَ عليك فيها؟ قال: إني رأيتُها تُذهِب العقل جملة، وما رأيتُ شيئًا يذهب جملة، ويعود جملة.
♦ قال ابن عبد ربِّه في "العقد الفريد":
وقد شُهِر أصحابُ الشراب بسوء العهْد، وقلَّة الحفاظ، وأنهم أصحابك ما استغنيت حتى تفتقر، وما عوفيتَ حتى تنكب، وما غلب دنانك حتى تنزف، وما رأوك بعيونهم حتى يفقدوك، قال الشاعر:
أَرَى كُلَّ قَوْمٍ يَحْفَظُونَ حَرِيمَهُمْ
وَلَيْسَ لِأَصْحَابِ النَّبِيذِ حَرِيمُ
إِخَاؤُهُمُ مَا دَارَتِ الْكَأْسُ بَيْنَهُمْ
وَكُلُّهُمُ رَثُّ الْحِبَالِ سَؤُومُ
إِذَا جِئْتَهُمْ حَيَّوْكَ أَلْفًا وَرَحَّبُوا
وَإِنْ غِبْتَ عَنْهُمْ سَاعَةً فَذَمِيمُ
فَهَذَا بَيَانِي لَمْ أَقُلْ بِجَهَالَةٍ
وَلَكِنَّنِي بِالْفَاسِقِينِ عَلِيمُ
♦ وقال أحد الشعراء:
تَرَكْتُ النَّبِيذَ وَأَصْحَابَهُ
وَصِرْتُ خَدِينًا لِمَنْ عَابَهُ
شَرَابٌ يُضِلُّ سَبِيلَ الرَّشَادِ
وَيَفْتَحُ لِلشَّرِّ أَبْوَابَهُ