حياة المرأة بلا عمل ليست كارثة
في مسألة الشغل أو العمل هناك اعتقاد لدى البعض أنك ما لم تكن موظفاً أو مرتبطاً بوظيفة فأنت لا دور لك ولا حياة ولا حركة، وهو اعتقاد غريب وفيه الكثير من ضيق الأفق، أو هو تعبير عن طبيعة الذهنية التي تحكم الكثير من الناس في نظرتهم لأنفسهم من خلال الدور الذي يؤدونه، والمردود الذي يعود عليهم من أداء هذا الدور، بمعنى أنك ذو قيمة إذا كنت موظفاً حكومياً أو رسمياً أكثر مما إذا كنت في وظيفة خاصة، ووظيفتك تلك ذات قيمة إذا كانت تدر دخلاً أكبر وتجعلك في الواجهة دائماً وقريباً من الأشخاص المهمين في المؤسسة، فيما عدا ذلك فإن وظيفتك لا تستحق الالتفات ولا حتى مجرد السؤال عنها؟
ما من وظيفة أو عمل غير مهم، تلك حقيقة، وقد حاولت العديد من الجهات التي تنظم جوائز التميز أن تمنح أكثر من جائزة للأشخاص الذين يصنفون عادة على أنهم جنود مجهولون أو موظفو الظل، كموظف البدالة، وعامل الكافتيريا، وموظف الأرشيف، ورجل الحراسة مثلاً، للتأكيد على أن العمل في مؤسسة ما، أياً كان حجمها لا يمكنه أن يسير بشكل طبيعي لمجرد وجود الأشخاص المهمين جداً، فهؤلاء لهم دورهم إلا أن الموظفين الصغار هم من يسيّرون عجلة المؤسسة دون أن يشعر أحد.
إن مجرد معرفة البعض أن هذه المرأة، أو تلك ليست موظفة، تجعل نظرة التعاطف واضحة والإحساس بالشفقة لا يخفى، ويقفز السؤال: كيف تقضين وقتك إذن ؟ ماذا تفعلين بكل هذا الوقت ؟ وأسئلة أخرى تصب في المجرى نفسه، وكأن الحياة لا تكون حياة والتحرك لا يصبح معترفاً به إلا داخل المؤسسات والوزارات والشركات ، وأظنه تفكيراً يحتاج إلى بعض إعادة النظر.
كنت قد اتفقت على مقابلة أحد الإخوة الصحفيين في أحد المقاهي، كان الوقت صباحاً وكانت المنطقة هادئة وجميلة جداً، وكان معظم زبائن المقهى من السيدات الأجنبيات، أو من جنسية عربية معينة، لكن الملاحظ أنهن جميعاً ربات بيوت وأنهن يقضين وقتاً ممتعاً بصحبة صغارهن وصديقاتهن، هذه الملاحظة البسيطة تدل على أن الحياة ليست في المؤسسات والعمل فقط، فتلك حياة وهناك حياة أخرى، وكل امرأة تستطيع أن تعمل لعدة سنوات ثم تتفرغ لبيتها وصغارها على افتراض أنها في غير حاجة مادية ماسة للعمل، كما تستطيع المشاركة في أعمال اجتماعية كثيرة.
فهناك من يعتنين بعائلات محتاجة يتفقدنها باستمرار، ومن ينظمن مزادات خيرية يعود ريعها إلى أصحاب الحاجات والمرضى، ومن يعملن من بيوتهن دون الخروج للعمل، وأعرف صديقة حازت شهادتين جامعيتين في تخصصين مختلفين دون أن تحظى بفرصة عمل، لكنها لم تقتل نفسها يأساً فاتجهت لدراسات مختلفة منحتها الكثير من الثقة بالنفس، واتساع الأفق كدراسة أنواع من الرسم وتعلم الفرنسية والإسبانية والدخول في دورة زراعة وترتيب حدائق وديكور.
نستطيع أن نتخلص من حصر أنفسنا وقيمة عطائنا بالوظيفة، ففي المجتمعات الأخرى لا ينظر للإنسان من خلال وظيفته فقط ولا يشترط بكل مواطن أن يكون موظفاً، لكن من الضروري أن يكون كل إنسان منتجاً وينفق وقته في أمور ممتعة وذات مردود إيجابي.