رسوم الذاكرة المتحركة
ليس الأطفال فقط هم المهووسون باللعب وبرامج ألعاب الفيديو والرسوم المتحركة، الكبار لديهم الهوس نفسه أيضاً، وهذا ما نلاحظه في غرف المراهقين، والشباب الذين تعدوا المراهقة، وليس في ذلك أي مشكلة، لكن المشكلة في الموقف العام الذي تتخذه بعض الجماعات من مسائل الرسوم المتحركة وأفلام السينما وشرائط ألعاب الفيديو وغيرها إلى الدرجة التي تدفع ببعضهم إلى التحريم والتنفير وإشعار الأطفال بأنهم يرتكبون ذنباً كبيراً بتعلقهم بهذه الفنون.
لن نختلف مع علمائنا وفقهائنا وكبار السن عندنا، ولا مع أهل الرأي والمشورة فينا، والذين ينظرون إلى مصلحة الدنيا، وصلاح العقيدة والدين، والدفاع عن ذلك في وجه من يحاول الدس أو التشويه أو زرع التوجهات المنحرفة، لكننا فقط نتساءل عن الحلول والبدائل؟ ولنبدأ من أول السطر..
في تلك الأيام التي كنا فيها صغاراً نتقافز في أزقة أحيائنا القديمة، وأطل علينا صندوق الدنيا الصغير الذي بمجرد لمسة زر بسيطة يجعلك مسمراً أمامه، تاركاً دهشة الطفولة تقودك إلى عوالم من الفرح والمتعة، يومها تعلقنا بالرسوم المتحركة وعرفنا شخصيات: بوباي وزوجته، وتوم وجيري، ولوريل وهاردي وغيرها، كانت شخصيات تملأ خيالنا وأحلامنا وكنا نحبها كثيراً..
كنا نجلس أمام التلفزيون ربع ساعة، ثم ينتهي الوقت المخصص لنعاود شقاوتنا بين «سكيك» الفريج حالمين بالغد الذي سنلتقي فيه بتلك الشخصيات المحببة، وقد كان هناك علماء ومفتون ولم يقل أحد يومها إن ذلك حرام! ومر العمر، وبقيت تلك الرسوم المتحركة، كبرنا وأورثناها لأطفالنا وبقيت هي على ما كانت عليه.. حتى انقلبت الموازين وانفتح السوق على مصراعيه، وكبرت التجارة وزادت العلوم والتكنولوجيا وصرنا في عالم «عولمة» واقتصاديات «الجات» وتصارع الكل في «كل» الميادين، وكان لبرامج الأطفال وبرمجيات الفيديو والألعاب نصيب الأسد.
إن العالم العربي أكبر أسواق الدنيا استهلاكاً واستيراداً، ففيه أكبر نسبة أطفال وشباب كما هو معروف. ولقد حركت العولمة كل شهوات المنافسة، لكنها عندنا لم تدفع أي مؤسسة أو هيئة أو جهة حكومية للبحث عن بدائل بالنسبة لثقافة الطفل، فتركنا هذا الطفل، وذلك الشاب بعقله وميوله وتوجهاته «رهينة» لدى الآخرين يبثون إليه وفي عقله ما يشاؤون وتحت أنظارنا وأسماعنا، دون أن يحرك ذلك فينا غيرة أو خوفاً.
العجيب أنهم صدروا لنا ثقافتنا مصنوعة بأيديهم ومرسومة بأقلام فنانيهم وسينمائييهم، وهكذا استوردنا أسطورة علاء الدين ومصباحه، والسندباد البحري وغيرهما، ثم جاءنا من ثقافات الآخرين الغث والسمين وكانت التلفزيونات تعرض بلا رقابة، والأهالي يبالغون في شراء الأشرطة بلا تحفظ، والمدرسة لا تقول شيئاً، والمجتمع لا يبحث عن بديل، وأصحاب البلايين لا يفكرون في استثمار أموالهم في ما يخص الثقافة والمعرفة خاصة ثقافة الطفل.. إذن فما الحل؟
في بعض المدن الأميركية أغلقت بعض العائلات التلفزيونات نهائياً، ولكنها فعلت ذلك لأن لديها بدائل أخرى في مجال ثقافة الطفل، نحن ليس لدينا شيء على الإطلاق، لدينا حسب آخر الإحصائيات 800 بليون دولار يمتلكها 210 آلاف ثري 90% منهم في دول الخليج، تستثمر جميعها في تجارات لا علاقة لها بالثقافة، ولا تذهب لمسائل وقضايا مصيرية وجوهرية كثقافة الطفل ومنتجات هذه الثقافة، إن أطفالنا أماناتنا التي لو ضاعت فنحن من ضيعها وليس البوكيمون أو توم آند جيري!!