الأمل أقوى من شيخوخة العمر
صحيح أن الحاضر أقوى من الحنين إلى الماضي والأمل في المستقبل، كما يقول جون ستيوارت وهو الذي يقول إن شعور الإنسان بالعودة إلى الماضي والقلق من المستقبل سبب أساسي في الجلوس على حزمة من الأحزان والهموم.. ولكن عندما يكون الأمل في مستوى القدرات وبحجم الطموحات، يكون أمراً مشرقاً يحقق الإنسان من خلاله، وجوده ويؤكد ذاته ككائن منتج وقادر على العطاء.. هذا ما فعله الأميركي من ولاية فلوريدا الذي أنجز شهادة الماجستير وهو في سن التسعين، فالإنسان طالما هو بكامل صحته الجسدية والنفسية فإنه قادر على العطاء في مختلف مراحل العمر.. وطلب العلم من المهد إلى اللحد ليس مجرد خيال بشري، بل هو حقيقة، وهذا ما أكدته المرأة الإماراتية من خورفكان التي حازت على النسبة المرتفعة في الثانوية العامة، وهي في سن الستين.. دروس وعبر تستقيها من التاريخ، كما نستلهمها من الواقع توضح لنا بجلاء أن الطاقة البشرية بلا حدود وعندما تستثمر بشكل جيد فإنها تؤتي بثمار جيدة، وتحقق مكاسب إنسانية رائعة على صعيد العلم والعمل.. ونشعر بالحزن عندما نرى شاباً لم يتجاوز العقد الرابع من العمر ينحو إلى طلب التقاعد متذرعاً أنه يريد أن يرتاح من عناء العمل وأنه يكفيه عطاء عشر سنوات أو أكثر بقليل، هذه النماذج البشرية لا تبشر بخير، ولا تقدم نموذجاً لخدمة الأوطان والإنسانية، بل هي تعبر عن شعور كامن بعدم الأهمية وإحساس بعبثية وجود الإنسان.. أشخاص يهمشون أنفسهم ويركنون أنفسهم في الزوايا المعتمة تحت حجج وذرائع مختلفة لكنها لا تعبر إلا عن شيء واحد ألا وهو الهروب من الواقع والاتكالية والنكوص إلى مراحل متقدمة يريد فيها الأشخاص، أن يغوصوا في حضانات الاعتماد على الغير .. مثال الأميركي يجب أن يدرس وأن يكون جزءاً من خطاب المجتمعات الراقية الموجه إلى الشعوب.. لأنه لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض ويرتقي سلالم الحضارية المنتجة، وجزء من أبنائه يعيشون على أرفف الاعتماد على الغير، أو يمارسون رياضة التزلج على رواتب التقاعد ولا يمكن أن تواجه مجتمعات اليوم ثورة التكنولوجيا لكن جزءاً مهماً من نسيجها يغط في سبات الكسل والإهمال والتقاعس والاندثار خلف مساحات واسعة من الضبابية في الطموحات.. فالأمل مطر قدرات الإنسان فإن لم تسق هذه القدرات الكامنة بماء الأمل فإنها تصبح كآلة خربة صوتها يلوث البيئة الإنسانية ولا تحث على العمل والإنتاج والمشاركة في البناء.. نحن محتاجون إلى الأمل كما أننا محتاجون إلى بشر يلونون حياتهم بالنشاط النفسي ويزخرفون قلوبهم بالتفاؤل.. فلا حياة للمنكفئين،
ولا موقع للمتخاذلين في أي وسط اجتماعي.